وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ﴾
لما ذكر تعالى إرسال الرسل جملة، أفرد منهم في هذه الآية نوحاً وإبراهيم، عليهما السلام، تشريفاً لهما بالذكر.
أما نوح، فلأنه أول الرسل إلى من في الأرض ؛ وأما إبراهيم، فلأنه انتسب إليه أكثر الأنبياء عليهم السلام، وهو معظم في كل الشرائع.
ثم ذكر أشرف ما حصل لذريتهما، وذلك النبوة، وهي التي بها هدي الناس من الضلال ؛ ﴿ والكتاب ﴾، وهي الكتب الأربعة : التوراة والزبور والإنجيل والقرآن، وهي جميعها في ذرية إبراهيم عليه السلام، وإبراهيم من ذرية نوح، فصدق أنها في ذريتهما.
وفي مصحف عبد الله : والنبية مكتوبة بالياء عوض الواو.
وقال ابن عباس :﴿ والكتاب ﴾ : الخط بالقلم، والظاهر أن الضمير في منهم عائد على الذرية.
وقيل : يعود على المرسل إليهم لدلالة ذكر الإرسال والمرسلين عليهم.
ومع إرسال الرسل وإنزال الكتب وإزاحة العلل بذلك، انقسموا إلى مهتد وفاسق، وأخبر بالفسق عن الكثير منهم.
﴿ ثم قفينا ﴾ : أي اتبعنا وجعلناهم يقفون من تقدم، ﴿ على آثارهم ﴾ : أي آثار الذرية، ﴿ برسلنا ﴾ : وهم الرسل الذين جاءوا بعد الذرية، ﴿ وقفينا بعيسى ﴾ : ذكره تشريفاً له، ولانتشار أمته، ونسبه لأمه على العادة في الإخبار عنه.
وتقدمت قراءة الحسن : الإنجيل، بفتح الهمزة في أول سورة آل عمران.
قال أبو الفتح : وهو مثال لا نظير له.
انتهى، وهي لفظة أعجمية، فلا يلزم فيها أن تكون على أبنية كلم العرب.
وقال الزمخشري : أمره أهون من أمر البرطيل، يعني أنه بفتح الباء وكأنه عربي ؛ وأما الإنجيل فأعجمي.
وقرىء : رآفة على وزن فعالة، ﴿ وجعلنا ﴾ : يحتمل أن يكون المعنى وخلقنا، كقوله :﴿ وجعل الظلمات والنور ﴾ ويحتمل أن يكون بمعنى صيرنا، فيكون ﴿ في قلوب ﴾ : في موضع المفعول الثاني لجعلنا.