﴿ ورهبانية ﴾ معطوف على ما قبله، فهي داخلة في الجمل.
﴿ ابتدعوها ﴾ : جملة في موضع الصفة لرهبانية، وخصت الرهبانية بالابتداع، لأن الرأفة والرحمة في القلب لا تكسب للإنسان فيها، بخلاف الرهبانية، فإنها أفعال بدن مع شيء في القلب، ففيها موضع للتكسب.
قال قتادة : الرأفة والرحمة من الله، والرهبانية هم ابتدعوها ؛ والرهبانية : رفض الدنيا وشهواتها من النساء وغيرهنّ واتخاد الصوامع.
وجعل أبو علي الفارسي ﴿ ورهبانية ﴾ مقتطعة من العطف على ما قبلها من ﴿ رأفة ورحمة ﴾، فانتصب عنده ﴿ ورهبانية ﴾ على إضمار فعل يفسره ما بعده، فهو من باب الاشتغال، أي وابتدعوا رهبانية ابتدعوها.
واتبعه الزمخشري فقال : وانتصابها بفعل مضمر يفسره الظاهر تقديره : وابتدعوا رهبانية ابتدعوها، يعني وأحدثوها من عند أنفسهم ونذروها.
انتهى، وهذا إعراب المعتزلة، وكان أبو عليّ معتزلياً.
وهم يقولون : ما كان مخلوقاً لله لا يكون مخلوقاً للعبد، فالرأفة والرحمة من خلق الله، والرهبانية من ابتداع الإنسان، فهي مخلوقة له.
وهذا الإعراب الذي لهم ليس بجيد من جهة صناعة العربية، لأن مثل هذا هو مما يجوز فيه الرفع بالابتداء، ولا يجوز الابتداء هنا بقوله :﴿ ورهبانية ﴾، لأنها نكرة لا مسوغ لها من المسوغات للابتداء بالنكرة.
وروي في ابتداعهم الرهبانية أنهم افترقوا ثلاث فرق : ففرقة قاتلت الملوك على الدين فغلبت وقتلت ؛ وفرقة قعدت في المدن يدعون إلى الدين ويبينونه ولم تقاتل، فأخذها الملوك ينشرونهم بالمناشير فقتلوا، وفرقة خرجت إلى الفيافي، وبنت الصوامع والديارات، وطلبت أن تسلم على أن تعتزل فتركت.
والرهبانية : الفعلة المنسوبة إلى الرهبان، وهو الخائف بني فعلان من رهب، كالخشيان من خشي.
وقرىء : ورهبانية بالضم.
قال الزمخشري : كأنها نسبة إلى الرهبان، وهو جمع راهب، كراكب وركبان. انتهى.


الصفحة التالية
Icon