والمعنى : أن الله أمر في الكتاب الذي أنزل بنصره دينه ورسله، فمن نصر دينه ورسله علمه ناصراً، ومن عصى علمه بخلاف ذلك، و ﴿ بالغيب ﴾ في محلّ نصب على الحال من فاعل ينصره، أو من مفعوله أي : غائباً عنهم، أو غائبين عنه ﴿ إِنَّ الله قَوِىٌّ عَزِيزٌ ﴾ أي : قادر على كل شيء غالب لكل شيء، وليس له حاجة في أن ينصره أحد من عباده وينصر رسله، بل كلفهم بذلك ؛ لينتفعوا به إذا امتثلوا، ويحصل لهم ما وعد به عباده المطيعين.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وإبراهيم ﴾ لما ذكر سبحانه إرسال الرسل إجمالاً أشار هنا إلى نوع تفصيل، فذكر رسالته لنوح وإبراهيم، وكرّر القسم للتوكيد ﴿ وَجَعَلْنَا فِى ذُرّيَّتِهِمَا النبوة والكتاب ﴾ أي : جعلنا فيهم النبوّة والكتب المنزلة على الأنبياء منهم، وقيل : جعل بعضهم أنبياء، وبعضهم يتلون الكتاب ﴿ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ ﴾ أي : فمن الذرية من اهتدى بهدي نوح وإبراهيم، وقيل : المعنى فمن المرسل إليهم من قوم الأنبياء مهتد بما جاء به الأنبياء من الهدى ﴿ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فاسقون ﴾ خارجون عن الطاعة.
﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا على ءاثارهم بِرُسُلِنَا ﴾ أي : اتبعنا على آثار الذرية، أو على آثار نوح وإبراهيم برسلنا الذين أرسلناهم إلى الأمم كموسى، وإلياس، وداود، وسليمان، وغيرهم ﴿ وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابن مَرْيَمَ ﴾ أي : أرسلنا رسولاً بعد رسول حتى انتهى إلى عيسى ابن مريم، وهو من ذرية إبراهيم من جهة أمه ﴿ وآتيناه الإنجيل ﴾ وهو الكتاب الذي أنزله الله عليه، وقد تقدّم ذكر اشتقاقه في سورة آل عمران.


الصفحة التالية
Icon