وقال الزجاج : ما كتبناها عليهم معناه لم نكتب عليهم شيئًا ألبتة، قال : ويكون ﴿ إِلاَّ ابتغاء رضوان الله ﴾ بدلاً من الهاء والألف في كتبناها، والمعنى : ما كتبنا عليهم إلاّ ابتغاء رضوان الله ﴿ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾ أي : لم يرعوا هذه الرهبانية التي ابتدعوها من جهة أنفسهم، بل صنعوها وكفروا بدين عيسى، ودخلوا في دين الملوك الذين غيروا وبدّلوا، وتركوا الترهب، ولم يبق على دين عيسى إلاّ قليل منهم، وهم المرادون بقوله :﴿ فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ﴾ الذي يستحقونه بالإيمان، وذلك لأنهم آمنوا بعيسى، وثبتوا على دينه حتى آمنوا بمحمد ﷺ لما بعثه الله ﴿ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فاسقون ﴾ : خارجون عن الإيمان بما أمروا أن يؤمنوا به، ووجه الذمّ لهم على تقدير أن الاستثناء منقطع أنهم قد كانوا ألزموا أنفسهم الرهبانية معتقدين أنها طاعة، وأن الله يرضاها، فكان تركها وعدم رعايتها حق الرعاية يدل على عدم مبالاتهم بما يعتقدونه ديناً.
وأما على القول بأن الاستثناء متصل، وأن التقدير : ما كتبناها عليهم لشيء من الأشياء إلاّ ليبتغوا بها رضوان الله بعد أن وفقناهم لابتداعها، فوجه الذم ظاهر.


الصفحة التالية
Icon