وذهب أبو مسلم الأصفهاني وتبعه جماعة إلى أن ( لا ) نافية، وقرره الفخر بأن ضمير ﴿ يقدرون ﴾ عائد إلى رسول الله ﷺ والذين آمنوا به ( أي على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة وأصله أن لا تقدروا ) وإذا انتفى علم أهل الكتاب بأن الرسول ﷺ والمسلمين لا يقدرون على شيء من فضل الله ثبت ضد ذلك في علمهم أي كيف أن الرسول ﷺ والمسلمين يقدرون على فضل الله، ويكون ﴿ يقدرون ﴾ مستعاراً لمعنى : ينالون، وأن الفضل بيد الله، فهو الذي فضلهم، ويكون ذلك كناية عن انتفاء الفضل عن أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم
ويرد على هذا التفسير ما ورد على الذي قبله لأن علم أهل الكتاب لا يحصل بإخبار القرآن لأنهم يكذبون به.
وأنا أرى أن دعوى زيادة ( لا ) لا داعي إليها، وأن بقاءها على أصل معناها وهو النفي متعينّ، وتجعل اللام للعاقبة، أي أعطيناكم هذا الفضل وحرم منه أهل الكتاب، فبقي أهل الكتاب في جهلهم وغرورهم بأن لهم الفضل المستمر ولا يحصل لهم علم بانتفاء أن يكونوا يملكون فضل الله ولا أن الله قد أعطى الفضل قوماً آخرين وحَرمَهَم إيّاه فينسون أن الفضل بيد الله، وليس أحد يستحقه بالذات.
وبهذا الغرور استمروا على التمسك بدينهم القديم، ومعلوم أن لام العاقبة أصلها التعليل المجازي كما علمته في تفسير قوله تعالى :﴿ فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً ﴾ في سورة [ القصص : ٨ ].
وقوله :﴿ أهل الكتاب ﴾ يجوز أن يكون صادقاً على اليهود خاصة إن جعل التعليل تعليلاً لمجموع قوله :﴿ فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ﴾ [ الحديد : ٢٧ ] وقوله :﴿ يؤتكم كفلين من رحمته ﴾ [ الحديد : ٢٨ ].
ويجوز أن يكون صادقاً على اليهود والنصارى إن جعل لام التعليل علة لقوله :﴿ يؤتكم كفلين من رحمته ﴾.
و( أن ) من قوله :﴿ أن لا يقدرون ﴾ مخفّفة من ( أنَّ ) واسمها ضمير شأن محذوف.