وقرأ الجمهور ﴿ليس البرُّ﴾ برفع ﴿البر﴾ على أنه اسم ﴿ليس﴾ والخبر هو ﴿أَن تُولُّوا﴾ وقرأه حمزة وحفص عن عاصم بنصب ﴿البرَّ﴾ على أن قوله :﴿أن تولوا﴾ اسمُ ﴿ليس﴾ مؤخر، ويكثر في كلام العرب تقديم الخبر على الاسم في باب كان وأخواتها إذا كان أحد معمولي هذا الباب مركباً من أنْ المصدرية وفعلِها كان المتكلم بالخيار في المعمول الآخر بين أن يرفعه وأن ينصبه وشأن اسم ﴿ليس﴾ أن يكون هو الجدير بكونه مبتدأ به، فوجه قراءة رفع ﴿البر﴾ أن البر أمر مشهور معروف لأهل الأديان مرغوب للجميع فإذا جعل مبتدأ في حالة النفي أصغت الأسماع إلى الخبر، وأما توجيه قراءة النصب فلأن أمر استقبال القبلة هو الشغل الشاغل لهم فإذا ذُكر خبره قبلهُ ترقب السامع المبتدأ فإذا سمعه تقرر في علمه.
أهـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ١٢٨ ـ ١٢٩﴾
البر اسم جامع للطاعات، وأعمال الخير المقربة إلى الله تعالى، ومن هذا بر الوالدين، قال تعالى :﴿إِنَّ الأبرار لَفِى نَعِيمٍ * وَإِنَّ الفجار لَفِى جَحِيمٍ﴾ [الانفطار : ١٣ـ ١٤] فجعل البر ضد الفجور وقال :﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان﴾ [المائدة : ٢] فجعل البر ضد الإثم فدل على أنه اسم عام لجميع ما يؤجر عليه الإنسان وأصله من الاتساع ومنه البر الذي هو خلاف البحر لاتساعه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ٣٢﴾
وقال فى التحرير والتنوير :
البِرّ سعة الإحسان وشدة المرضاة والخير الكامل الشامل ولذلك توصف به الأفعال القوية الإِحسان فيقال : بر الوالدين وبر الحج وقال تعالى :﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون﴾ [آل عمران : ٩٢]، والمراد به هنا بر العبد ربه بحسن المعاملة في تلقي شرائعه وأوامره.


الصفحة التالية