ونفيُ البر عن استقبال الجهات مع أن منها ما هو مشروع كاستقبال الكعبة : إما لأنه من الوسائل لا من المقاصد فلا ينبغي أن يكون الاشتغال به قصارى همة المؤمنين ولذلك أسقطه الله عن الناس في حال العجز والنسيان وصلوات النوافل على الدابة في السفر، ولذلك قال :﴿ولكن البر من آمن﴾ إلخ فإن ذلك كله من أهم مقاصد الشريعة وفيه جماع صلاح النفس والجماعة. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ١٢٨﴾
فصل في المشار إليه بالضمير
قال القفال : قد قيل في نزول هذه الآية أقوال، والذي عندنا أنه أشار إلى السفهاء الذين طعنوا في المسلمين وقالوا : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها مع أن اليهود كانوا يستقبلون المغرب، والنصارى كانوا يستقبلون المشرق، فقال الله تعالى : إن صفة البر لا تحصل بمجرد استقبال المشرق والمغرب، بل البر لا يحصل إلا عند مجموع أمور أحدها : الإيمان بالله وأهل الكتاب أخلوا بذلك، أما اليهود فقولهم : بالتجسيم ولقولهم : بأن عزيراً ابن الله، وأما النصارى، فقولهم : المسيح ابن الله، ولأن اليهود وصفوا الله تعالى بالبخل، على ما حكى الله تعالى ذلك عنهم بقوله :﴿قَالُواْ إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء﴾ [آل عمران : ١٨١] وثانيها : الإيمان باليوم الآخر واليهود أخلوا بهذا الإيمان حيث قالوا :﴿وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى﴾ [البقرة : ١١١] وقالوا :﴿لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً﴾ [البقرة : ٨٠] والنصارى أنكروا المعاد الجسماني، وكل ذلك تكذيب باليوم الآخر وثالثها : الإيمان بالملائكة، واليهود أخلوا ذلك حيث أظهروا عداوة جبرل عليه السلام ورابعها : الإيمان بكتب الله، واليهود والنصارى قد أخلوا بذلك، لأن مع قيام الدلالة على أن القرآن كتاب الله ردوه ولم يقبلوه قال تعالى :