ههنا سؤال : وهو أنه تعالى نفى أن يكون التوجه إلى القبلة براً ثم حكم بأن البر مجموع أمور أحدها الصلاة ولا بد فيها من استقبال فيلزم التناقض ولأجل هذا السؤال اختلف المفسرون على أقوال الأول : أن قوله :﴿لَّيْسَ البر﴾ نفي لكمال البر وليس نفياً لأصله كأنه قال ليس البر كله هو هذا، البر اسم لمجموع الخصال الحميدة واستقبال القبلة واحد منها، فلا يكون ذلك تمام البر الثاني : أن يكون هذا نفياً لأصل كونه براً، لأن استقبالهم للمشرق والمغرب كان خطأ في وقت النفي حين ما نسخ الله تعالى ذلك، بل كان ذلك إثماً وفجوراً لأنه عمل بمنسوخ قد نهى الله عنه، وما يكون كذلك فإنه لا يعد في البر الثالث : أن استقبال القبلة لا يكون براً إذا لم يقارنه معرفة الله، وإنما يكون براً إذا أتي به مع الإيمان، وسائر الشرائط كما أن السجدة لا تكون من أفعال البر، إلا إذا أتي بها مع الإيمان بالله ورسوله، فأما إذا أتي بها بدون هذا الشرط، فإنها لا تكون من أفعال البر، روي أنه لما حولت القبلة كثر الخوض في نسخها وصار كأنه لا يراعي بطاعة الله إلا الإستقبال، فأنزل الله تعالى هذه الآية كأنه تعالى قال ما هذا الخوض الشديد في أمر القبلة مع الإعراض عن كل أركان الدين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ٣٣﴾
قوله تعالى ﴿ولكن البر مَنْ آمَنَ بالله ﴾
قال ابن عادل :
قوله ﴿ولكن البر مَنْ آمَنَ بالله﴾ في هذه الآية خَمْسَة أوجه :
أحدها : أن " البِرَّ " اسم فاعل من : بَرَّ يَبَرُّ، فهو " برُّ " والأصل :" بَرِرٌ " بكسر الراء الأولى بزنة " فطِنٍ " فلمَّا أريد الإدغام، نقلت كسرة الرَّاء إلى الباء بعد سكبها حركتها ؛ فعلى هذه القراءة : لا يحتاج الكلام إلى حذف وتأويلٍ ؛ لأنَّ البِرَّ من صفات الأعيان ؛ كأنه قيل :" وَلكِنَّ الشخْصَ البِرَّ مَنْ آمن ".