قوله تعالى ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
قال الفخر :
قيل : إن أكلهم في الدنيا وإن كان طيباً في الحال فعاقبته النار فوصف بذلك كقوله :﴿إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أموال اليتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً﴾ [النساء : ١٠] عن الحسن والربيع وجماعة من أهل العلم، وذلك لأنه لما أكل ما يوجب النار فكأنه أكل النار، كما روي في حديث آخر " الشارب من آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم " وقوله :﴿إِنّى أَرَانِى أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ [يوسف : ٣٦] أي عنباً فسماه باسم ما يؤول إليه وقيل : إنهم في الآخرة يأكلون النار لأكلهم في الدنيا الحرام عن الأصم وثانيها : قوله تعالى :﴿وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله﴾ فظاهره : أنه لا يكلمهم أصلا لكنه لما أورده مورد الوعيد فهم منه ما يجري مجرى العقوبة لهم، وذكروا فيه ثلاثة أوجه الأول : أنه قد دلت الدلائل على أنه سبحانه وتعالى يكلمهم، وذلك قوله :﴿فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الحجر : ٩٢ ٩٣] وقوله :﴿فَلَنَسْئَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ المرسلين﴾ [الأعراف : ٦] فعرفنا أنه يسأل كل واحد من المكلفين، والسؤال لا يكون إلا بكلام فقالوا : وجب أن يكون المراد من الآية أنه تعالى لا يكلمهم بتحية وسلام وإنما يكلمهم بما يعظم عنده من الغم والحسرة من المناقشة والمساءلة وبقوله :﴿اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ﴾ [المؤمنون : ١٠٨] الثاني : أنه تعالى لا يكلمهم وأما قوله تعالى :﴿فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر : ٩٢] فالسؤال إنما يكون من الملائكة بأمره تعالى وإنما كان عدم تكليمهم يوم القيامة مذكوراً في معرض التهديد لأن يوم القيامة هو اليوم الذي يكلم الله تعالى فيه كل الخلائق بلا واسطة فيظهر عند كلامه السرور في أوليائه، وضده في أعدائه، ويتميز أهل الجنة بذلك من أهل النار فلا جرم كان ذلك من أعظم الوعيد