قالوا إن حضرة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلم قال لأحدهم عبد اللّه بن نبتل في قولهم لليهود لا توالوا الرّسول إلخ كما مر آنفا فحلف أنه لم يقل وجاء بأصحابه فحلقوا كذلك فكذبهم اللّه تعالى في هذه الآيات التي أنزلها على رسوله فيما وقع منهم قاتلهم اللّه ما أكذبهم، وهؤلاء أشد من مغالاتهم، لأن حب المال والدّنيا هو الذي حدا بهم إلى ذلك، ولا ريب أن الّذين لا يؤمنون بالآخرة يغريهم حب المال والرّئاسة
قال تعالى "لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ" المنافقون المتولون لليهود والحالفون كذبا متخذون إيمانهم وقاية لصون دمائهم وأموالهم وأولادهم، الصادون النّاس عن سبيل اللّه المعرضون عنه هم "أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ" (١٧) أبدا لا يتحولون عنها.
واعلم يا حضرة الرسول أن هؤلاء المنافقين وأصحابهم اليهود "يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً" في الموقف المهيب فيسألهم عما وقع منهم في الدّنيا من هذه الأحوال وغيرها وهو غني عن سؤالهم لأنه يعلم كلّ ما وقع منهم أزلا ولكن ليفضحهم على رؤوس الأشهاد "فَيَحْلِفُونَ لَهُ" في ذلك المشهد العظيم "كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ" يا أكمل الرسل بأنهم صادقون وهم كاذبون "وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْ ءٍ" من قبول أيمانهم الكاذبة عند اللّه كما كانت تقبل منهم بالدنيا ظاهرا، كلّا ليسوا على شيء من ذلك أصلا "أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ" (١٨) في الدّنيا والآخرة تشير أداة التنبيه في مطلع هذه الآية والتوكيد بأن واللام على توغلهم بالنفاق والكذب وتعودهم عليهما وفساد ظنهم على رواج إيمانهم بين يدي علام الغيوب وفضيحتهم على رؤوس الأشهاد.