ولما كان ذلك في غاية ما يكون من خرق العادة بحيث إن الصديقة عائشة ـ رضى الله عنه ـ ا قالت عند نزول الآية :" الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد كلمت رسول الله ـ ﷺ ـ وأنا في جانب البيت ما أسمع كثيراً مما تقول " أكده تنبيهاً على شدة غرابته ولأنه ربما استبعده من اشتد جهله لعراقته في التقيد بالعادات فقال :﴿إن الله﴾ أي الذي أحاط بجميع صفات الكمال فلا كفؤ له ﴿سميع بصير﴾ أي بالغ السمع لكل مسموع، والبصر لكل ما يبصر والعلم لكل ما يصح أن يعلم أزلاً وأبداً، وقد مضى نحو هذا التناسب في المائدة حين أتبع تعالى آية القسيسين والرهبان قوله تعالى ﴿يأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم﴾ [ المائدة : ٨٧ ] غير أن هذا خاص وذاك عام، فهذا فرد منه، فالمناسبة واحدة لأن الأخص في ضمن الأعم، والحاصل أنه سبحانه امتنَّ عليهم بما جعل في قلوبهم من الرهبانية وغيرها، وأخبر أنهم لم يوفوها حقها، وأنه آتى مؤمنيهم الأجر، وأمر المسلمين بالتقوى واتباع الرسول ـ ﷺ ـ ليحصل لهم من فضله العظيم ضعف ما حصل لأهل الكتاب، ونهاهم عن التشديد على أنفسهم بالرهبانية، فصاروا مفضلين من وجهين : كثرة الأجر وخفة العمل، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء - والله أعلم، روى البزار من طريق خصيف عن عطاء من غيرهما أيضاً عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن رجلاً قال : يا رسول الله! إني ظاهرت من امرأتي ورأيت ساقها في القمر فواقعتها قبل أن أكفر، قال " كفِّر ولا تعد " وروى أبو داود عن عكرمة أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفر، فأتى النبي ـ ﷺ ـ فأخبره فقال :" ما حملك على ما صنعت؟ قال : رأيت بياض ساقيها في القمر، قال : فاعتزلها حتى تكفر عنك " قال المنذري : وأخرجه أيضاً عن عكرمة عن النبي ـ ﷺ ـ وعن عكرمة عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى


الصفحة التالية
Icon