ولما كان التقدير : فللمؤمنين بها نعيم مقيم في مقام أمين، عطف عليه قوله :﴿وللكافرين﴾ أي الراسخين في الكفر بها وتغيرها من أمر الله ﴿عذاب مهين﴾ بما تكبروا واغتروا على أولياء الله وشرائعه، يهينهم ذلك العذاب ويذهب عزهم وشماختهم ويتركون به محادتهم.
ولما ذكر عذابهم، ذكر وقته على وجه مقرر لما مضى من شمول علمه وكمال قدرته فقال :﴿يوم يبعثهم الله﴾ أي يكون ذلك في وقت إعادة الملك الأعظم للكافرين المصرح بهم والمؤمنين المشار إليهم أحياء كما كانوا ﴿جميعاً﴾ في حال كونهم مجتمعين في البعث.
ولمان كان لا أوجع من التبكيت بحضرة بعض الناس فكيف إذا كان بحضرتهم كلهم فكيف إذا كان بمرأى من جميع الخلائق ومسمع، سبب عن ذلك وعقب قوله :﴿فينبئهم﴾ أي يخبرهم إخباراً عظيماً مستقصى ﴿بما عملوا﴾ إخزاء لهم وإقامة للحجة عليهم.
ولما كان ضبط ذلك أمراً عظيماً، استأنف قوله بياناً لهوانه عليه :﴿أحصاه الله﴾ أي أحاط به عدداً كمّاً وكيفاً وزماناً ومكاناً بما له من صفات الجلال والجمال.
ولم ذكر إحصاءه له، فكان ربما ظن أنه مما يمكن في العادة إحصاؤه، نفى ذلك بقوله :﴿ونسوه﴾ أي كلهم مجتمعين لخروجه عن الحد في الكثرة فكيف بكل واحد على انفراده ونسوا ما فيه المعاصي تهاوناً بها، وذلك عين التهاون بالله والاجتراء عليه، قال القشيري : إذا حوسب أحد في القيامة على عمل عمله تصور له ما فعله ثم يذكر حتى كأنه في تلك الحالة قام من بساط الزلة فيقع عليه من الخجل والندم ما ينسى في جنبه كل عقوبة، فسبيل المسلم أن لا يخالف أمر مولاه ولا يحوم حوله مخالفة أمره، فإن جرى المقدور ووقع في هجنة التقصير فليكن من زلته على بال، وليتضرع إلى الله بحسن الابتهال.