لما ختمت الحديد بعد إثبات عجز الخلق بعظيم الفضل له سبحانه، وكان سماع أصوات جميع الخلائق من غير أن يشغل صوت عن صوت وكلام عن كلام من الفضل العظيم، وكان قد تقدم ابتداع بعض المتعبدين من الرهبانية بما لم يصرح لهم بالإذن فيه، فكان سبباً للتضييع، وكان الظهار على نوعين : موقت ومطلق، وكان الموقت مما يدخل في الرهبانية لأنه من التبتل وتحريم ما أحل الله من الطيبات، وكان بعض الصحابة ـ رضى الله عنه ـ م قد منع نفسه بالموقت منه من مرغوبها مما لم يأت عن الله، فظاهر من امرأته محافظة على كمال التعبد خوفاً من الجماع في نهار رمضان، وكان ذلك مما لم يأذن به بل نهى عنه كما روى أبو داود عن أنس ـ رضى الله عنه ـ والطبراني في الأوسط على سهل بن حنيف ـ رضى الله عنه ـ أن النبي ـ ﷺ ـ :" لا تشددوا على أنفسكم، فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات " وكان بعض الصحابة - ـ رضى الله عنه ـ م أجمعين - قد ظاهر مطلقاً فشكت امرأته ما لحقها من الضرر إلى رسول الله ـ ﷺ ـ وهتفت باسم الله، وكان علمه سبحانه بخصوص شكاية هذه المرأة المسكينة وإزالة ضررها بحكم عام لها ولغيرها من عباده حتى صارت واقعتها رخصة عامة للمسلمين إلى يوم القيامة معلماً بأنه ذو الفضل العظيم، وأنه الظاهر الباطن، ذو الملك كله، وكان قد أمر بالإيمان به وبرسوله ووعد على ذلك بالنور، كان السامع لذلك جديراً بتوقع البيان الذي هو النور في هذه الرهبانية التي ابتدعت في هذه الأمة، وتخفيف الشديد الذي وقع عن بعضهم ليعلم أهل الكتاب ما لهذه الأمة من الكرامة على ربها وأنه يختص برحمته من يشاء فقال :﴿قد سمع الله﴾ أي أجاب بعظيم فضله الذي أحاط بجميع صفات الكمال فوسع سمعه الأصوات ﴿قول﴾ وعبر بالوصف دون الاسم تعريفاً برحمته الشاملة فقال :﴿التي تجادلك﴾ أي تبالغ في أن تقبلك إلى مرادها


الصفحة التالية
Icon