وصى الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بأن لا يكون لهم تناج في مكروه، وذلك عام في جميع الناس إلى يوم القيامة. وخص " الإثم " بالذكر لعمومه ﴿ والعدوان ﴾ لعظمته في نفسه، إذ هي ظلامات العباد، وكذلك ﴿ معصية الرسول ﴾ ذكرها طعناً على المنافقين إذ كان تناجيهم في ذلك.
وقرأ جمهور الناس :" فلا تتناجوا " على وزن تتفاعلوا، وقرأ ابن محيصن " تناجوا " بحذف التاء الواحدة. وقرأ بعض القراء :" فلا تّناجوا " بشد التاء لأنها أدغمت التاء في التاء، وقرأ الأعمش وأهل الكوفة :" فلا تنتجوا " على وزن تفتعلوا. والناس : على ضم العين من " العُدوان ". وقرأها أبو حيوة بكسر العين حيث وقع. وقرأ الضحاك وغيره :" ومعصيات الرسول " على الجمع فيهما.
ثم أمر بالتناجي ﴿ بالبر والتقوى ﴾، وذكر بالحشر الذي معه الحساب ودخول أحد الدارين وقوله تعالى :﴿ إنما النجوى ﴾، ليست ﴿ إنما ﴾ للحصر ولكنها لتأكيد الخبر.
واختلف الناس في ﴿ النجوى ﴾ التي هي ﴿ من الشيطان ﴾ التي أخبر عنها في هذه الآية، فقال جماعة من المفسرين أراد :﴿ إنما النجوى ﴾ في الإثم والعدوان ومعصية الرسول ﴿ من الشيطان ﴾، وقال قتادة وغيره : الإشارة إلى نجوى المنافقين واليهود، وقال عبد الله بن زيد بن أسلم : الإشارة إلى نجوى قوم من المسلمين كانوا يقصدون مناجاة النبي عليه السلام، وليس لهم حاجة ولا ضرورة إلى ذلك، وإنما كانوا يريدون التبجح بذلك، وكان المسلمون يظنون أن تلك النجوى في أخبار بعد وقاصد أو نحوه.
قال القاضي أبو محمد : وهذان القولان يعضدهما ما يأتي من ألفاظ الآية، ولا يعضد القول الأول. وقال عطية العوفي في هذه الآية : نزلت في المنامات التي يراها المؤمن فتسوءه، وما يراه النائم فكأنه نجوى يناجى بها.
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول أجنبي من المعنى الذي قبله والذي بعده.


الصفحة التالية
Icon