وقال القرطبى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ﴾
فيه سبع مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي المجالس ﴾ لما بيّن أن اليهود يحيّونه بما لم يحيِّه به الله وذمهم على ذلك وصل به الأمر بتحسين الأدب في مجالسة رسول الله ﷺ، حتى لا يضيقوا عليه المجلس، وأمر المسلمين بالتعاطف والتآلف حتى يفسح بعضهم لبعضٍ، حتى يتمكنوا من الاستماع من رسول الله ﷺ والنظر إليه.
قال قتادة ومجاهد : كانوا يتنافسون في مجلس النبيّ ﷺ، فأمِروا أن يفسح بعضهم لبعض.
وقاله الضحاك.
وقال ابن عباس : المراد بذلك مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب.
قال الحسن ويزيد بن أبي حبيب : كان النبيّ ﷺ إذا قاتل المشركين تشاح أصحابه على الصف الأوّل فلا يوسع بعضهم لبعض ؛ رغبةً في القتال والشهادة فنزلت.
فيكون كقوله :﴿ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ﴾ [ آل عمران : ١٢١ ].
وقال مقاتل : كان النبيّ ﷺ في الصُّفَّة، وكان في المكان ضيق يوم الجمعة، وكان النبيّ ﷺ يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار ؛ فجاء أناس من أهل بدر فيهم ثابت بن قيس بن شماس وقد سُبِقوا في المجلس، فقاموا حيال النبيّ ﷺ على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم، فشقّ ذلك على النبيّ ﷺ، فقال لمن حوله من غير أهل بدر :" قم يا فلان وأنت يا فلان " بعدد القائمين من أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم، وعرف النبيّ ﷺ الكراهية في وجوههم، فغمز المنافقون وتكلموا بأن قالوا : ما أنصف هؤلاء وقد أحبوا القرب من نبيّهم فسَبقوا إلى المكان ؛ فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
﴿ تَفَسَّحُواْ ﴾ أي توسعوا.