السّلاح، فخرجوا وهاجروا إلى أذرعات من أرض الشّام وأريحا من أرض فلسطين، (والجلاء هو الخروج بالأهل من الوطن إلى مكان آخر عنوة) وتركوا ديارهم وعقارهم وسائر أموالهم غنيمة للمسلمين، أما آل أبي الحقيق وآل حيي بن أخطب منهم فإنهم لحقوا بخيبر، ولحقت طائفة منهم بالحيرة، وأنزل اللّه هذه السّورة بعد الواقعة بسنتين يعدد فيها نعمه على عبده، ويذكره
بأن إخراجهم
كان "لِأَوَّلِ الْحَشْرِ" والحشر إخراج جمع من مكان وسوقه إلى غيره، وهم أول من أخرج من جزيرة العرب المحاطة من القبلة والشرق والغرب ببحري الحبشة وفارس، ومن الشّمال بنهري دجلة والفرات، وفي قوله تعالى (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) إشارة إلى أنهم يحشرون ثانيا، وقد كان ذلك في زمن خلافة عمر رضي اللّه عنه، لأنه أجلى بقايا اليهود من خيبر إلى الشّام، وذلك لما بلغه قول صلّى اللّه عليه وسلم لا يبقين دينان في جزيرة العرب، وإشارة أخرى إلى أن الحشر يوم القيامة بأرض الشّام، وأن أريحا وأذرعات اللّتين هاجر إليهما اليهود من أول الأرض المتاخمة إلى أراضي الشّام وهو كذلك، قال ابن عباس من شك أن المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية، ولأن الرسول لما قال لهم اخرجوا قالوا إلى أين ؟ قال إلى أرض المحشر.
وبنو النّضير هؤلاء وبنو قريظة الّذين تقدمت قصتهم في الآية ٢٦ من سورة الأحزاب من أولاد الكاهن ابن هرون عليه السّلام، وسبب نزولهم وبني قينقاع في أرض الحجاز هو أن بني إسرائيل كانت تغير عليهم العماليق المتوطنون في يثرب والجحفة، فوجه إليهم موسى عليه السّلام جيشا من أبناء هؤلاء اليهود فأهلكوهم عن آخرهم، إلا ابن ملك لهم، كان غلاما حسنا فرقوا له واستوطنوا مكانهم وتناسلوا فكثروا، وبعد سيل العرم جاء الأوس والخزرج من اليمن إلى يثرب ونزلوا بجوارهم وبقوا جميعا إلى أن جاء الإسلام.