وقيل نزلت هذه الآية في أبي طلحة لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة، قال جاء رجل إلى النّبي صلّى اللّه عليه وسلم فقال إني مجهود (أي شديد الجوع) فأرسل إلى بعض نسائه فقالت والذي بعثك بالحق ما عندي إلّا الماء، ثم أقبل على الأخرى فقالت مثل ذلك، وقلن كلهن مثل ذلك، فقال صلّى اللّه عليه وسلم من يضيفه يرحمه اللّه ؟ فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة فقال أنا يا رسول اللّه، فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته هل عندك شيء ؟ قالت لا إلّا قوت صبياني، قال فعلليهم بشيء ونوميهم، فإذا دخل ضيفنا فأريه أنا نأكل فإذا أهوى بيده فقومي إلى
السراج فاطفئيه ففعلت فقعدوا وأكل الضّيف وباتا طاوبين، فلما أصبح غدا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال عليه الصّلاة والسّلام لقد عجب اللّه أو ضحك من فلان وفلانة وفي رواية : وأنزل اللّه هذه الآية.
وقدمنا ما يتعلق بالأخوة الصّادقة وفوائدها في الآية ٦٧ من سورة الزخرف ج ٢ فراجعها.
قال تعالى "وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ" ويخالف هواها ويميل إلى كرم النّفس يفوز بخيري الدّنيا والآخرة، ولذلك قال تعالى "فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (٩) والشّح اللّؤم وهو أن تكون النفس كزة حريصة على المنع، وقيل في ذلك :
يمارس نفسا بين جنبيه كزة إذا همّ بالمعروف قالت له مهلا
والكزّة القبيحة، والكزازة اليبس والانقباض، ويقال للبخيل كزّ اليدين.
والبخل شدة الحرص لخوف الفقر وعدم اليقين بخلف اللّه عليه لتغلب تسويلات الشّيطان عليه.
قال تعالى :(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ، وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا) الآية ٢٦٩ من البقرة المارة.
ولا يزال البخيل يبخل حتى يحمله بخله على الحرص، حتى أنه ليبخل على نفسه بما في أيدي الغير، لأن من معاني البخل مطلق المنع.