وخلاصة قصته أن أمه نادته وهو في صلاته فلم يرد عليها، فجاءته من الغد ونادته فلم يرد عليها فقالت اللّهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، وكانت بنو إسرائيل تعجب من عبادته فقالت لهم الباغية إن شئتم فتنته لكم، قالوا نعم، وهذا من جملة حسدهم، قاتلهم اللّه، فبدل أن يعملوا عمله ويتبركوا بأمثاله أرادوا ردّه عن هداه ليس إلّا حسدا أخزاهم اللّه، فذهبت تلك المومسة ومكنت من نفسها راعيا فحملت منه، فلما ولدت قالت هو من جريح، فأنزلوه من صومعته وهدموها
وصاروا يضربونه ويعنفونه ويقولون له زنيت! وأرادوا رجمه، فقال لهم أمهلوني أصلي وافعلوا بي ما شئتم فأمهلوه، فصلى وانفتل إلى الغلام، فقال له من أبوك ؟
قال الرّاعى، فأقبلوا عليه يعتذرون منه ويستسمحونه وأعادوا له صومعته كما كانت.
ولهذا حتى الآن والنّاس يسيئون الظّنّ بعلمائهم والحق معهم، لأن العلماء الآن لا يتورعون عن مخالطة الفسقة من ولاة الأمور وغيرهم، بل صاروا يتنافسون بصحبتهم، وأمثال هؤلاء لا يتسمّون علماء حقيقة لأن العالم من يخشى اللّه فلا ينافق ولا يداهن، ولهذا فإنه قد يقع من أناس متصفين بهيئة العلماء ما لم يقع من أفسق الفاسقين، فيكثر القول في العلماء العاملين تبعا للضالين من غير تفريق.
فلو أن أهل العلم صانوه صانهم من رمي أمثال هؤلاء ولو عظموه فلم يبذلوا أنفسهم لأهل الدنيا لعظمهم في أعينهم، ولكنهم لم يفعلوا ففعل بهم ما أهانهم، فلا حول ولا قوة إلّا باللّه، راجع الآية ٢٣ من سورة ابراهيم المارة في ج ٢، والآية ٥٠ من سورة الأنفال المارة فيما يتعلق بكيد الشّيطان مع البشر والآية ٢٩ من سورة يوسف في ج ٢ فيما يتعلق بمن نطق بالمهد.
روى أبو هريرة عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلم قال لم يتكلم في المهد إلّا ثلاثة عيسى بن مريم وصاحب جريج والرّضيع الذي قالت له أمه اللّهم اجعله مثل هذا.


الصفحة التالية
Icon