ولما أثنى الله سبحانه وتعالى على المهاجرين والأنصار ـ رضى الله عنه ـ م بما هم أهله، التابعين لهم بإحسان ما يوجب لهم الثناء فقال عاطفاً على المهاجرين فيقتضي التشريك معهم، أو على أصل القصة من عطف الجمل :﴿والذين جاؤوا﴾ أي من أي طائفة كانوا، ولما كان المراد المجيء ولو في زمن يسير، أثبت الجار فقال :﴿من بعدهم﴾ أي بعد المهاجرين والأنصار وهم من آمن بعد انقطاع الهجرة بالفتح وبعد إيمان الأنصار الذين أسلموا بعد النبي ـ ﷺ ـ إلى يوم القيامة، ثم ذكر الخبر أو الحال على نحو ما مضى في الذي قبله فقال تعالى :﴿يقولون﴾ أي على سبيل التجديد والاستمرار تصديقاً لإيمانهم بدعائهم لمن سنه لهم :﴿ربنا﴾ أي أيها المحسن إلينا بإيجاد من مهد الدين قبلنا.
ولما كان الإنسان وإن اجتهد موضعاً للنقصان قال ملقناً لنا :﴿اغفر﴾ أي أوقع الستر على النقائص أعيانها وآثارها ﴿لنا﴾ ولما بدؤوا بأنفسهم، ثنوا بمن كان السبب في إيمانهم فقالوا :﴿ولإخواننا﴾ أي في الدين فإنه أعظم أخوة، وبينوا العلة بقولهم :﴿الذين سبقونا بالإيمان﴾ ولما لقنهم سبحانه حسن الخلافة لمن مهد لهم ما هم فيه، أتبعه تلقين ما يعاشرون به أعضادهم الذين هم معهم على وجه يعم من قبلهم، فقال معلماً بأن الأمر كله بيده حثاً على الالتجاء إليه من أخطار النفس التي هي أعدى الأعداء :﴿ولا تجعل﴾ وأفهم قوله :﴿في قلوبنا﴾ أن رذائل النفس قل أن تنفك وأنها إن كانت مع صحة القلب أوشك أن لا تؤثر ﴿غلاًّ﴾ أي ضغناً وحسداً وحقداً وهو حرارة وغليان يوجب الانتقام ﴿للذين آمنوا﴾ أي أقروا بالإيمان وإن كانوا في أدنى درجاته.