قد تقدم القول في تسبيح الجمادات التي يتناولها عموم ما في السماوات والأرض وأن أهل العلم اختلفوا في ذلك. فقال قوم : ذلك على الحقيقة، وقال آخرون : ذلك مجاز أي آثار الصنعة فيها والإيجاد لها كالتسبيح وداعية إلى التسبيح ممن له أن يسبح، قال مكي ﴿ سبح ﴾ معناه : صلى وسجد فهذا كله بمعنى الخضوع والطوع، و﴿ العزيز الحكيم ﴾ صفتان مناسبتان لما يأتي بعد من قصة العدو الذي أخرجهم من ديارهم، و﴿ الذين كفروا من أهل الكتاب ﴾ هم بنو النضير، وكانت قبيلة عظيمة من بني إسرائيل موازية في القدر والمنزلة لبني قريظة، وكان يقال للقبيلتين الكاهنان، لأنهما من ولد الكاهن بن هارون، وكانت أرضهم وحصونهم قريبة من المدينة، ولهم نخل وأموال عظيمة، فلما رجع رسول الله ﷺ من أحد خرج إلى بني النضير فحاصرهم وأجلاهم على أن يحملوا من أموالهم ما أقلته إبلهم حاشى الحلقة وهي جميع السلاح، فخرجوا إلى بلاد مختلفة فذلك قوله تعالى :﴿ هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ﴾. وقوله تعالى :﴿ لأول الحشر ﴾ اختلف الناس في معنى ذلك بعد اتفاقهم على أن ﴿ الحشر ﴾ : الجمع والتوجيه إلى ناحية ما. فقال الحسن بن أبي الحسن وغيره : أراد حشر القيامة أي هذا أوله، والقيام من القبور آخره، وروي أن النبي ﷺ قال لهم :" امضوا هذا أول الحشر وإنا على الأثر ". وقال عكرمة والزهري وغيرهما : المعنى ﴿ لأول ﴾ موضع ﴿ الحشر ﴾ وهو الشام، وذلك أن أكثر بني النضير جاءت إلى الشام، وقد روي أن حشر القيامة هو إلى بلد الشام وأن النبي ﷺ قال لبني النضير " اخرجوا "، قالوا : إلى أين؟ قال :" إلى أرض المحشر "، وقال قوم في كتاب المهدوي : المراد ﴿ الحشر ﴾ في الدنيا الذي هو الجلاء والإخراج، فهذا الذي فعل رسول الله ﷺ ببني النضير أوله، والذي فعل عمر بن الخطاب بأهل خيبر آخره


الصفحة التالية
Icon