قال ابن عباس في قوله تعالى :﴿ كَمَثَلِ الشيطان ﴾ : كان راهب في الفَتْرة يقال له : برصيصا ؛ قد تعبّد في صَومعته سبعين سنة، لم يعص الله فيها طَرْفة عين، حتى أعيا إبليس ؛ فجمع إبليس مردة الشياطين فقال : ألا أجد منكم من يكفيني أمر برصيصا؟ فقال الأبيض، وهو صاحب الأنبياء، وهو الذي قصد النبيّ ﷺ في صورة جبريل ليوسوس إليه على وجه الوحي، فجاء جبريل فدخل بينهما، ثم دفعه بيده حتى وقع بأقصى الهند ؛ فذلك قوله تعالى :﴿ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي العرش مَكِينٍ ﴾ [ التكوير : ٢٠ ] فقال : أنا أكْفِيكَه ؛ فانطلق فتزيّا بزِيّ الرهبان، وحلق وسط رأسه حتى أتى صومعة برصيصا فناداه فلم يجبه ؛ وكان لا ينفتل من صلاته إلا في كل عشرة أيام يوماً، ولا يُفطر إلا في كل عشرة أيام ؛ وكان يواصل العشرة الأيام والعشرين والأكثر ؛ فلما رأى الأبيض أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صَوْمعته ؛ فلما انفتل برصيصا من صلاته، رأى الأبيض قائماً يصلّي في هيئة الرهبان ؛ فندم حين لم يجبه، فقال : ما حاجتك؟ فقال : أن أكون معك، فأتأدّب بأدبك، وأقتبس من عملك، ونجتمع على العبادة ؛ فقال : إني في شغل عنك ؛ ثم أقبل على صلاته ؛ وأقبل الأبيض أيضاً على الصلاة ؛ فلما رأى برصيصا شدّة اجتهاده وعبادته قال له : ما حاجتك؟ فقال : أن تأذن لي فأرتفع إليك.
فأذن له فأقام الأبيض معه حَوْلاً لا يفُطر إلا في كل أربعين يوماً يوماً واحداً، ولا ينفتل من صلاته إلا في كل أربعين يوماً، وربما مدّ إلى الثمانين ؛ فلما رأى برصيصا اجتهاده تقاصرت إليه نفسه.
ثم قال الأبيض : عندي دعوات يَشْفِي الله بها السقيم والمبتلى والمجنون ؛ فعلّمه إياها.
ثم جاء إلى إبليس فقال : قد والله أهلكت الرجل.
ثم تعرّض لرجل فخنقه، ثم قال لأهله وقد تصوّر في صورة الآدميين : إن بصاحبكم جنوناً أفأطِبّه؟ قالوا نعم.