ثم جاءهم الشيطان في المنام وقال : إنها مدفونة في موضع كذا وكذا، وإن طرف ردائها خارج من التراب ؛ فانطلقوا فوجدوها، فهدموا صومعته وأنزلوه وخنقوه، وحملوه إلى الملك فأقرّ على نفسه فأمر بقتله.
فلما صُلب قال الشيطان : أتعرفني؟ قال لا والله! قال : أنا صاحبك الذي علمتك الدعوات، أما اتقيت الله أما استحيت وأنت أعبد بني إسرائيل! ثم لم يكفِك صنيعك حتى فضحت نفسك، وأقررت عليها وفضحت أشباهك من الناس! فإن متّ على هذه الحالة لم يفلح أحد من نظرائك بعدك.
فقال : كيف أصنع؟ قال : تطيعني في خصلة واحدة وأنجيك منهم وآخذ بأعينهم.
قال : وما ذاك؟ قال تسجد لي سجدة واحدة ؛ فقال : أنا أفعل ؛ فسجد له من دون الله.
فقال : يا برصيصا، هذا أردت منك ؛ كان عاقبة أمرك أن كفرت بربك، إني بريء منك، إني أخاف الله رب العالمين.
وقال وهب بن مُنَبّه : إن عابداً كان في بني إسرائيل، وكان من أعبد أهل زمانه، وكان في زمانه ثلاثة إخوة لهم أخت، وكانت بكراً، ليست لهم أخت غيرها، فخرج البعث على ثلاثتهم ؛ فلم يدروا عند من يخلّفون أختهم، ولا عند من يأمنون عليها، ولا عند من يضعونها.
قال فاجتمع رأيهم على أن يخلفوها عند عابد بني إسرائيل، وكان ثقةً في أنفسهم، فأتوه فسألوه أن يخلفوها عنده، فتكون في كنفه وجواره إلى أن يقفلوا من غَزاتهم، فأبى ذلك عليهم وتعوّذ بالله منهم ومن أختهم.
قال فلم يزالوا به حتى أطمعهم فقال : أنزلوها في بيت حِذاء صَوْمعتي، فأنزلوها في ذلك البيت ثم انطلقوا وتركوها، فمكثت في جوار ذلك العابد زماناً، ينزل إليها الطعام من صومعته، فيضعه عند باب الصومعة، ثم يغلق بابه ويصعد في صومعته، ثم يأمرها فتخرج من بيتها فتأخذ ما وضع لها من الطعام.
قال : فتلطّف له الشيطان فلم يزل يرغّبه في الخير، ويعظم عليه خروج الجارية من بيتها نهاراً، ويخوّفه أن يراها أحد فيعلقها.