وقد مضى الكلام في معنى هذه الآية في "المائدة" عند قوله تعالى :﴿ قُل لاَّ يَسْتَوِي الخبيث والطيب ﴾ [ المائدة : ١٠٠ ].
وفي سورة "السجدة" عند قوله تعالى :﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ ﴾ [ السجدة : ١٨ ].
وفي سورة "ص" ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين فِي الأرض أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار ﴾ [ ص : ٢٨ ] فلا معنى للإعادة، والحمد الله.
قوله تعالى :﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرآن على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً ﴾
حث على تأمّل مواعظ القرآن، وبيَّن أنه لا عذر في ترك التدبُّر ؛ فإنه لو خوطب بهذا القرآن الجبالُ مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه، ولرأيتها على صلابتها ورزانتها خاشعةً متصدّعةً ؛ أي متشقِّقةً من خشية الله.
والخاشع : الذليل.
والمتصدع : المتشقق.
وقيل :"خِاشِعاً" لله بما كلّفه من طاعته.
﴿ مُّتَصَدِّعاً ﴾ من خشية الله أن يعصيه فيعاقبه.
وقيل : هو على وجه المثل للكفار.
قوله تعالى :﴿ وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ﴾ أي إنه لو أنزل هذا القرآن على جبل لخشع لوعده وتصدّع لوعيده ؛ وأنتم أيها المقهورون بإعجازه لا ترغبون في وعده، ولا ترهبون من وعيده! وقيل : الخطاب للنبيّ ﷺ ؛ أي لو انزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت، وتصدع من نزوله عليه ؛ وقد أنزلناه عليك وثبَّتْناك له ؛ فيكون ذلك امتناناً عليه أن ثبّته لما لا تثبت له الجبال.
وقيل : إنه خطاب للأمة، وأن الله تعالى لو أنذر بهذا القرآن الجبال لتصدعت من خشية الله.
والانسان أقل قوةً وأكثر ثباتاً ؛ فهو يقوم بحقه إن أطاع، ويقدر على ردّه إن عصى ؛ لأنه موعود بالثواب، ومزجور بالعقاب. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٨ صـ ﴾