إن المقام يقتضي التخصيص وإلا فالشافعية يقولون : إن العموم مدلول نفي المساوات لغة لأن النفي داخل على مسمى المساواة فلا بد من انتفائها من جميع الوجوه إذ لو وجدت من وجه لما كان مسماها منتفياً هو خلاف مقتضى اللفظ، وقول الحنفية : إن الاستواء مطلقاً أعم من الاستواء من كل وجه ومن وجه دون وجه، والنفي إنما دخل على الاستواء الأعم فلا يكون مشعراً بأحد القسمين الخاصين.
وحاصله أن الأعم لا يشعر بالأخص فيه إن ذلك في الإثبات مسلم وفي النفي ممنوع، ألا ترى أن من قال : ما رأيت حيواناً وكان قد رأى إنساناً مثلاً عد كاذباً؟ وتمام ذلك في كتب الأصول، والإنصاف أن كون المراد هنا نفي الاستواء في الأمور الأخروية ظاهر جداً فلا ينبغي الاستدلال بها على ما ذكر.
﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان ﴾ العظيم الشأن المنطوي على فنون القوارع ﴿ على جَبَلٍ ﴾ من الجبال أو جبل عظيم ﴿ لَّرَأَيْتَهُ ﴾ مع كونه علماً في القسوة وعدم التأثر مما يصادمه ﴿ خاشعا مُّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ الله ﴾ أي متشققاً منها.
وقرأ أبو طلحة مصدعاً بإدغام التاء في الصاد، وهذا تمثيل وتخييل لعلو شأن القرآن وقوة تأثير ما فيه من المواعظ والزواجر، والغرض توبيخ الإنسان على قسوة قلبه وقلة تخشعه عند تلاوة القرآن وتدبر ما فيه من القوارع وهو الذي لو أنزل على جبل وقد ركب فيه العقل لخشع وتصدع، ويشير إلى كونه تمثيلاً قوله تعالى :﴿ وَتِلْكَ الامثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ فإن الإشارة فيه إلى قوله تعالى :﴿ لَوْ أَنزَلْنَا ﴾ الخ وإلى أمثاله، فالكلام بتقدير وقوع تلك، أو المراد تلك وأشباهها والأمثال في الأغلب تمثيلات متخيلة. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٢٨ صـ ﴾