ثم لما أجمل كذبهم فيما وعدوا به فصّل ما كذبوا فيه فقال :﴿ لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ ﴾ وقد كان الأمر كذلك، فإن المنافقين لم يخرجوا مع من أخرج من اليهود، وهم بنو النضير ومن معهم، ولم ينصروا من قوتل من اليهود، وهم بنو قريظة وأهل خيبر ﴿ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ ﴾ أي : لو قدِّر وجود نصرهم إياهم ؛ لأن ما نفاه الله لا يجوز وجوده.
قال الزجاج : معناه : لو قصدوا نصر اليهود ﴿ لَيُوَلُّنَّ الادبار ﴾ منهزمين ﴿ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾ يعني : اليهود لا يصيرون منصورين إذا انهزم ناصرهم، وهم المنافقون، وقيل : يعني لا يصير المنافقون منصورين بعد ذلك، بل يذلهم الله، ولا ينفعهم نفاقهم، وقيل معنى الآية : لا ينصرونهم طائعين، ولئن نصروهم مكرهين ليولنّ الأدبار، وقيل : معنى ﴿ لاَ يَنصُرُونَهُمْ ﴾ لا يدومون على نصرهم، والأوّل أولى، ويكون من باب قوله :﴿ وَلَوْ رُدُّواْ لعادوا لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ﴾ [ الأنعام : ٢٨ ].
﴿ لاَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِى صُدُورِهِمْ مّنَ الله ﴾ أي : لأنتم يا معاشر المسلمين أشدّ خوفاً وخشية في صدور المنافقين، أو صدور اليهود، أو صدور الجميع من الله، أي : من رهبة الله، والرهبة هنا بمعنى : المرهوبية ؛ لأنها مصدر من المبني للمفعول، وانتصابها على التمييز ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ﴾ أي : ما ذكر من الرهبة الموصوفة بسبب عدم فقههم لشيء من الأشياء، ولو كان لهم فقه لعلموا أن الله سبحانه هو الذي سلطكم عليهم، فهو أحقّ بالرهبة منه دونكم.
ثم أخبر سبحانه بمزيد فشلهم، وضعف نكايتهم فقال :﴿ لاَ يقاتلونكم جَمِيعاً ﴾ يعني : لا يبرز اليهود والمنافقون مجتمعين لقتالكم ولا يقدرون على ذلك ﴿ إِلاَّ فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ ﴾ بالدروب والدور ﴿ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ ﴾ أي : من خلف الحيطان التي يستترون بها لجبنهم ورهبتهم.


الصفحة التالية
Icon