وقال ابن عاشور :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾
انتقال من الامتنان على المسلمين بما يسرّ الله من فتح قرية بني النضير بدون قتال، وما أفاء الله على رسوله ﷺ منهم، ووصف ما جرى من خيبتهم وخيبة أملهم في نصرة المنافقين، ومن الإِيذان بأن عاقبة أهل القرى الباقية كعاقبة أسلافهم.
وكذلك موقف أنصارهم معهم، إلى الأمر بتقوى الله شكراً له على ما منح وما وعد من صادق الوعد فإن الشكر جزاء العبد عن نعمة ربه إذ لا يستطيع جزاء غير ذلك فأقبل على خطاب الذين آمنوا بالأمر بتقوى الله.
ولما كان ما تضمنته السورة من تأييد الله إياهم وفَيض نعمه عليهم كان من منافع الدنيا، أعقبه بتذكيرهم بالإِعداد للآخرة بقوله :﴿ ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ ﴾ أي لتتأمل كل نفس فيما قدمته للآخرة.
وجملة ﴿ ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ ﴾، عطف أمر على أمر آخر.
وهي معترضة بين جملة ﴿ اتقوا الله ﴾ وجملة ﴿ إن الله خبير بما تعملون ﴾.
وذِكر ﴿ نفس ﴾ إظهار في مقام الإِضمار لأن مقتضى الظاهر : وانظروا ما قدمتم، فعُدل عن الإِظهار لقصد العموم أي لتنظروا وتنظر كل نفس.
وتنكير ﴿ نفس ﴾ يفيد العموم في سياق الأمر، أي لتنظر كل نفس، فإن الأمر والدعاء ونحوهما كالشرط تكون النكرة في سياقها مثل ما هي في سياق النفي كقوله تعالى ﴿ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره ﴾ [ التوبة : ٦ ] وكقول الحريري:
يا أهلَ ذا المَغْنَى وُقيتم ضُرّا...
( أي كل ضر ).
وإنما لم يعرَّف بلام التعريف تنصيصاً على العموم لئلا يتوهم نفسٌ معهودة
وأطلق "غد" على الزمن المستقبل مجازاً لتقريب الزمن المستقبل من البعيد لملازمة اقتراب الزمن لمفهوم الغَد، لأن الغد هو اليوم الموالي لليوم الذي فيه المتكلم فهو أقرب أزمنة المستقبل كما قال قرّاد بن أجدع:
فإن يَكُ صدْرُ هذا اليوم ولّى...
فإن غداً لناظره قريب