وهذا المجاز شائع في كلام العرب في لفظ ( غد ) وأخواته قال زهير:
وأعْلَمُ عِلْم اليوممِ والأمسسِ قبلَه...
ولكنني عن علم ما في غدٍ عَمِ
يريد باليوم الزمن الحاضر، وبالأمس الزمن الماضي، وبالغد الزمن المستقبل.
وتنكير "غد" للتعظيم والتهويل، أي لغدٍ لا يعرف كنهه.
واللام في قوله :﴿ لغدٍ ﴾ لام العلة، أي ما قدمتْه لأجل يوم القيامة، أي لأجل الانتفاع به.
والتقديم : مستعار للعمل الذي يُعمل لتحصيل فائدته في زمن آت شبه قصد الانتفاع به في المستقبل بتقديم من يَحلّ في المنزل قبل ورود السائرين إليه من جيش أو سَفر ليهيّء لهم ما يصلح أمرهم، ومنه مقدمة الجيش وتقديم الرائد قبل القافلة.
قال تعالى :﴿ وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ﴾ [ البقرة : ١١٠ ] ويقال في ضده : أَخَّر، إذا ترك عمل شيء قال تعالى :﴿ علمت نفس ما قدمت وأخرت ﴾
[ الأنفطار : ٥ ].
وإعادة ﴿ واتقوا الله ﴾ ليبنَى عليه ﴿ إن الله خبير بما تعملون ﴾ فيحصل الربط بين التعليل والمعلل إذ وقع بينهما فصل ﴿ ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ ﴾.
وإنما أعيد بطريق العطف لزيادة التأكيد فإن التوكيد اللفظي يؤتى به تارة معطوفاً كقوله تعالى :﴿ أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ﴾ [ القيامة : ٣٤، ٣٥ ] وقوله :﴿ كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون ﴾ [ التكاثر : ٣ ٤ ].
وقول عدي بن زيد :"وألفَى قولها كذباً ومَيناً".
وذلك أن في العطف إيهام أن يكون التوكيد يجعل كالتأسيس لزيادة الاهتمام بالمؤكد.
فجملة ﴿ إن الله خبير بما تعملون ﴾ تعليل للحث على تقوى الله وموقع ﴿ إنَّ ﴾ فيها موقع التعليل.


الصفحة التالية
Icon