ويجوز أن يكون ﴿ اتقوا الله ﴾ المذكور أولاً مراداً به التقوى بمعنى الخوف من الله وهي الباعثة على العمل ولذلك أردف بقوله :﴿ ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ ﴾ ويكون ﴿ اتقوا الله ﴾ المذكور ثانياً مراداً به الدوام على التقوى الأولى، أي ودوموا على التقوى على حد قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ﴾ [ النساء : ١٣٦ ] ولذلك أردف بقوله :﴿ إن الله خبير بما تعملون ﴾ أي بمقدار اجتهادكم في التقوى، وأردف بقوله :﴿ ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ﴾ [ الحشر : ١٩ ] أي أهملوا التقوى بعد أن تقلّدوها كما سيأتي أنهم المنافقون فإنهم تقلّدوا الإِسلام وأضاعوه قال تعالى :﴿ نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ﴾ [ التوبة : ٦٧ ].
وفي قوله :﴿ إن الله خبير بما تعملون ﴾ إظهار اسم الجلالة في مقام الإِضمار، فتكون الجملة مستقلة بدلالتها أتمّ استقلال فتجري مجرى الأمثال ولتربية المهابة في نفس المخاطبين.
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (١٩)
بعد أن أمر المؤمنين بتقوى الله وإعداد العُدة للآخرة أعقبه بهذا النهي تحذيراً عن الإِعراض عن الدين والتغافل عن التقوى، وذلك يفضي إلى الفسوق.
وجيء في النهي بنهيهم عن حالة قوم تحققت فيهم هذه الصلة ليكون النهي عن إضاعة التقوى مصوراً في صورة محسوسة هي صورة قوم تحققت فيهم تلك الصلة وهم الذين أعرضوا عن التقوى.
وهذا الإِعراض مراتب قد تنتهي إلى الكفر الذي تلبس به اليهود وإلى النفاق الذي تلبس به فريق ممن أظهروا الإِسلام في أول سنيّ الهجرة، وظاهر الموصول أنه لطائفة معهودة فيحتمل أن يُراد ب"الذين نسوا الله" المنافقين لأنهم كانوا مشركين ولم يهتدوا للتوحيد بهدي الإِسلام فعبر عن النفاق بنسيان الله لأنه جهل بصفات الله من التوحيد والكمال.


الصفحة التالية
Icon