الوجود ولا أمان إلا وهو مستفاد من جهته.
ولما كان الاطلاع على بيّن ما ذكر ليتحقق معنى السلم والأمن، وعلى كل من تلك الحدود خفياً جداً يفتقر إلى مزيد علم، قال :﴿المهيمن﴾ فإن الهيمنة شهادة خبرة وإحاطة وإبصار لكلية ظاهر الأمر وباطنه بحيث لا يخفى منه خافية هوية ولا بادية ظاهر، ولإحاطة معناه لا يكاد يقع له في الخلق مسوغ إطلاق إلا مسامحة لأن الخلق لا يشهدون إلا الظواهر ولا يشهدون من الباطن، ولذلك انعجم معناه على كثير من فصحاء العرب، فمفهوم معناه موجب توحيده فواضح إذ لا مهيمن بمعنى أنه شهيد على الوجه المشروح مع الأمانة المأمونة والحفظ والرعاية فيكون قائماً على كل شيء بكل ما له من رزق وعمل وأجل إلا هو، ولذلك كان القرآن الذي هو صفته سبحانه وتعالى مهيمناً على جميع الكتب التي قبله مصدقاً لما يستحق التصديق منها مكذباً لما يستحق التكذيب، فمن كان به أمهر كان بذلك أعلم.
ولما كان تمام الخبرة ملزوماً لتمام القدرة، صرح بها اللازم فقال ؛ ﴿العزيز﴾ والعزة غلبة لا يجد معها المغلوب وجه مدافعة وجه مدافعة ولا انفلات ولا إعجاز، فالعزيز الذي صعب على طالبه إدراكه مع افتقار كل شيء إليه في كل لحظة، الشديد في انتقامه الذي لا معجز له في إنفاذ حكمه، ولذلك ينظم كثير بآيات إمضاء الأحكام متصلاً بالحكمة والعلم إنباء عن العدل، قال الغزالي : وهو الذي يقل وجود مثله وتشتد الحاجة إليه ويصعب الوصول إليه.


الصفحة التالية
Icon