فصل


قال الفخر :
واعلم أنه لما وصف القرآن بالعظم، ومعلوم أن عظم الصفة تابع لعظم الموصوف، أتبع ذلك بشرح عظمة الله فقال :
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (٢٢)
وقيل : السر والعلانية وقيل : الدنيا والآخرة.
اعلم أنه تعالى قدم الغيب على الشهادة في اللفظ وفيه سر عقلي، أما المفسرون فذكروا أقوالاً في الغيب والشهادة، فقيل : الغيب المعدوم، والشهادة الموجود ما غاب عن العباد وما شاهدوه.
ثم قال :﴿هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ الملك﴾ وكل ذلك قد تقدم تفسيره.
ثم قال :﴿القدوس﴾ قرىء : بالضم والفتح، وهو البليغ في النزاهة في الذات والصفات، والأفعال والأحكام والأسماء، وقد شرحناه في أول سورة الحديد، ومضى شيء منه في تفسير قوله :﴿وَنُقَدّسُ لَكَ﴾ [ البقرة : ٣٠ ] وقال الحسن : إنه الذي كثرت بركاته.
وقوله :﴿السلام﴾ فيه وجهان الأول : أنه بمعنى السلامة ومنه دار السلام، وسلام عليكم وصف به مبالغة في كونه سليماً من النقائص كما يقال : رجاء، وغياث، وعدل فإن قيل فعلى هذا التفسير لايبقى بين القدوس، وبين السلام فرق، والتكرار خلاف الأصل، قلنا : كونه قدوساً، إشارة إلى براءته عن جميع العيوب في الماضي والحاضر، كونه : سليماً، إشارة إلى أنه لا يطرأ عليه شيء من العيوب في الزمان المستقبل فإن الذي يطرأ عليه شيء من العيوب، فإنه تزول سلامته ولا يبقى سليماً الثاني : أنه سلام بمعنى كونه موجباً للسلامة.


الصفحة التالية
Icon