﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ أي : كيف حل بالمفسدين ما حل ونزل بهم ما نزل، لتعلموا صدق الله في وعده ووعيده.
﴿ وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء ﴾ أي : الخروج من أوطانهم ﴿ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ﴾ أي : بالقتل والسبي، كما فعل بإخوانهم بني قريظة.
﴿ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ * ذَلِكَ ﴾ أي : الجلاء والعذاب ﴿ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ﴾ أي : خالفوا ﴿ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ أي : فيما نهاهم عنه من الفساد، ونقض الميثاق.
﴿ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ أي : له في الدنيا والآخرة.
﴿ مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ ﴾ أي : نخلة من نخيلهم إغاظة لهم ﴿ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ أي : أمره ورضاه ؛ لأن ذلك ليس للبعث والإصرار، بل لتأييد قوة الحق، وتصلّب أهله، وإرهاب المبطلين وإذلالهم، كما قال تعالى ﴿ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ﴾ أي : لما فيه من إهانة العدوّ، وإضعافه ونكايته.
تنبيه :
ذكر علماء الأخبار وأئمة السير، أن سبب الأمر بجلاء بني النضير هو نقضهم العهد. قال الإمام ابن القيم : لما قدم النبي ﷺ المدينة، صار الكفار معه ثلاثة أقسام : قسم صالحهم ووادعهم على أن لا يحاربوه، ولا يظاهروا عليه، ولا يوالوا عليه عدوه، وهم على كفرهم، آمنون على دمائهم وأموالهم. وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة، وقسم تاركوه فلم يصالحوه ولم يحاربوه، بل انتظروا ما يؤول إليه أمره وأمر أعدائه.
ثم من هؤلاء من كان يحب ظهوره وانتصاره في الباطن. ومنهم من كان يحب ظهور عدوه عليه وانتصارهم. ومنهم من دخل معه في الظاهر، ومع عدوه في الباطن، ليأمن الفريقين، وهؤلاء هم المنافقون.