الثاني : قال الزمخشري : الأجود أن يكون قوله تعالى :
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾ الآية، عامّّاً في كل ما آتى رسول الله ﷺ ونهى عنه. وأمر الفيء داخل في عمومه.
وفي " الإكليل " : فيه وجوب امتثال أوامره ونواهيه ﷺ.
قال العلماء : وكل ما ثبت عنه ﷺ، يصح أن يقال : إنه في القرآن، أخذاً من هذه الآية. انتهى.
وهذا الأخير من غلوّ الأثريين، والإغراق في الاستنباط.
ثم بين تعالى من أصناف من تقدم، الأحق بالعناية والرعاية، بقوله :
﴿ لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ﴾ أي : من مواطنهم ومألوفاتهم ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ ﴾ أي : من العلوم والفضائل الخلقية ﴿ وَرِضْوَاناً ﴾ أي : منه وهو أعظم ما يرغب فيه ﴿ وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ أي : يبذل النفوس لقوة اليقين ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ قال القاشاني : أي : في الإيمان اليقيني لتصديق أعمالهم دعواهم، إذ علامة وجدان اليقين ظهور أثره على الجوارح، بحيث لا تمكن حركاتها إلا على مقتضى شاهدهم من العلم.
ثم أشار إلى أن إيثار هؤلاء بالعطاء مما تطيب به نفوس إخوانهم الأنصار، لحرصهم، رضي الله عنهم، على الإيثار دون الاستئثار، بقوله :
﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ ﴾ أي : دار الهجرة، أي : توطنوها ﴿ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ أي : من قبل مجيء المهاجرين إليهم. وعطف ﴿ الإِيمَانِ ﴾ قيل : بتقدير عامل. أي : وأخلصوا الإيمان. وقيل : استعمل التبوء في لازم معناه، وهو اللزوم والتمكّن. والمعنى : لزموا الدار والإيمان. وجوّز أيضاً تنزيل الإيمان منزلة المكان الذي يتمكن فيه، على أنه استعارة بالكناية، ويثبت له التبوء على طريق التخييل.


الصفحة التالية
Icon