إنما ينال المنافقون والذين كفروا من أهل الكتاب.. من المسلمين.. عندما تتفرق قلوب المسلمين، فلا يعودون يمثلون حقيقة المؤمنين التي عرضتها الآية في المقطع السابق في هذه السورة. فأما في غير هذه الحالة فالمنافقون أضعف وأعجز، وهم والذين كفروا من أهل الكتاب متفرقو الأهواء والمصالح والقلوب (بأسهم بينهم شديد).. (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى)..
والقرآن يقر هذه الحقيقة في قلوب المؤمنين، ليهون فيها من شأن أعدائهم ; ويرفع منها هيبة هؤلاء الأعداء ورهبتهم. فهو إيحاء قائم على حقيقة ; وتعبئة روحية ترتكن إلى حق ثابت. ومتى أخذ المسلمون قرآنهم مأخذ الجد هان عليهم أمر عدوهم وعدو الله، وتجمعت قلوبهم في الصف الواحد، فلم تقف لهم قوة في الحياة.
والمؤمنون بالله ينبغي لهم أن يدركوا حقيقة حالهم وحال أعدائهم. فهذا نصف المعركة. والقرآن يطلعهم على هذه الحقيقة في سياق وصفه لحادث وقع، وفي سياق التعقيب عليه، وشرح ما وراءه من حقائق ودلائل، شرحا يفيد منه الذين شهدوا ذلك الحادث بعينه، ويتدبره كل من جاء بعدهم، وأراد أن يعرف الحقيقة من العالم بالحقيقة !
ولم يكن حادث بني النضير هو الأول من نوعه، فقد سبقه حادث بني قينقاع الذي تشير إليه الآية بعد ذلك غالبا:
(كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم)..
ووقعة بني قينقاع كانت بعد غزوة بدر وقبل غزوة أحد. وكان بينهم وبين رسول الله ( ﷺ ) عهد. فلما انتصر المسلمون على المشركين في بدر كره اليهود ذلك، وحقدوا على المسلمين أن ينالوا هذا الانتصار
كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (١٦) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (١٧)