(كمثل الشيطان إذ قال للإنسان: اكفر. فلما كفر قال: إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين. فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها، وذلك جزاء الظالمين)..
وصورة الشيطان هنا ودوره مع من يستجيب له من بني الإنسان، تتفقان مع طبيعته ومهمته. فأعجب العجب أن يستمع إليه الإنسان. وحاله هو هذا الحال !
وهي حقيقة دائمة ينتقل السياق القرآني إليها من تلك الواقعة العارضة. فيربط بين الحادث المفرد والحقيقة الكلية، في مجال حي من الواقع ; ولا ينعزل بالحقائق المجردة في الذهن. فالحقائق المجردة الباردة لا تؤثر في المشاعر، ولا تستجيش القلوب للاستجابة. وهذا فرق ما بين منهج القرآن في خطاب القلوب، ومنهج الفلاسفة والدارسين والباحثين !
وبهذا المثل الموحي تنتهي قصة بني النضير. وقد ضمت في ثناياها وفي أعقابها هذا الحشد من الصور والحقائق والتوجيهات. واتصلت أحداثها المحلية الواقعة بالحقائق الكبرى المجردة الدائمة. وكانت رحلة في عالم الواقع وفي عالم الضمير، تمتد إلى أبعد من حدود الحادث ذاته، وتفترق روايتها في كتاب الله عن روايتها في كتب البشر بمقدار ما بين صنع الله وصنع البشر من فوارق لا تقاس !!
الدرس السادس: ١٨ - ٢٠ الدعوة إلى التقوى والتحذير من النسيان وعدم استواء أصحاب النار وأصحاب الجنة
وعند هذا الحد من رواية الحادث والتعقيب عليه وربطه بالحقائق البعيدة المدى يتجه الخطاب في السورة إلى المؤمنين، يهتف بهم باسم الإيمان، ويناديهم بالصفة التي تربطهم بصاحب الخطاب، وتيسر عليهم الاستجابة