قال أبو حيان عندها : لام أمر الله تعالى الخلق بالتسبيح في آخر سورة الواقعة، يعني في قوله تعالى :﴿ إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم ﴾ [ الواقعة : ٩٥ - ٩٦ ] جاء في أول السورة التي تليها مباشرة بالفعل الماضي، ليدل على أن التسبيح المأمور به قد فعله : والتزم به كل ما في السماوات والأرض اه.
ومعلوم أن الفعل قد جاء أيضاً بصيغة المضارع كما في آخر هذه السورة :﴿ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السماوات والأرض وَهُوَ العزيز الحكيم ﴾ [ الحشر : ٢٤ ]، وفي أول سورة الجمعة :﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم ﴾ [ الجمعة : ١ ]، وفي أول سورة التغابن :﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض لَهُ الملك وَلَهُ الحمد وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [ التغابن : ١ ]، وهذه الصيغة تدل على الدوام والاستمرار.
بل جاء الفعل بصيغة الأمر :﴿ سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى ﴾ [ الأعلى : ١ ]، ﴿ فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم ﴾ [ الواقعة : ٧٤ ]. وجاءت المادة بالمصدر :﴿ سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ﴾ [ الإسراء : ١ ]، ﴿ فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ [ الروم : ١٧ ]، ليدل ذلك كله بدوام واستمرار التسبيح لله تعالى من جميع خلقه، كما سبح سبحانه نفسه، وسبحته ملائكته ورسله، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه.
وما في قوله تعالى :﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ ﴾ من صيغ العموم، وأصل استعماله الغير العقلاء، وقد تستعمل للعاقل إذا نزل غير العاقل، كما في قوله تعالى :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء ﴾ [ النساء : ٣ ]، ومجيؤها هنا لغير العاقل تغليباً له لكثرته كما تقدم، فتكون شاملة للعاقل من باب أولى.