ومما يلفت النظر أن التسبيح الذي في معرض العموم كله في القرآن مسند إلى " ما " دون " من " إلا في مع واحد، هو قوله تعالى :﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ]، وهذا شاهد على شمول " ما " وعمومها المتقدم ذكرها، لأنه سبحانه أسند التسبيح أولاً إلى السماوات السبع والأرض صراحة بذواتهن، وهن من غير العقلاء بما في كل منهن من أفلاك وكواكب وبروج، أو جبال ووهاد وفجاج، ثم عطف على غير العقلاء بصيغة " من " الخاصة بالعقلاء فقال :﴿ وَمَن فِيهِنَّ ﴾، وإن كان " من "، قد تستعمل لغير العقلاء إذا نزلن منزلة العقلاء كما في قول الشاعر :
أسرب القطا هل من يعير جناحه؟... لعلي إلى من قد هويت أطير
وبهذا شمل إسناد التسبيح لكل شيء في نطاق السماوات والأرض، عاقل وغير عاقل. وقد أكد هذا الشمول بصريح قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ]، وكلمة " شيء " أعم العمومات، كما في قوله تعالى :﴿ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [ الزمر : ٦٢ ]، فشملت السماوات والأرض والملائكة والإنس والجن والطير والحيوان والنبات والشجر والمدر، وكل مخلوق لله تعالى.
وقد جاء في القرآن الكريم، والسنة المطهرة إثبات التسبيح من كل ذلك كل على حدة.


الصفحة التالية
Icon