ولاصحيح من هذا كله الأول الذي قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وهو الذي يشهد له القرآن الكريم لعدة أمور :
أولاً : لصريح قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ].
ثانياً : أن الحامل لهم على القول بتسبيح الدلالة، هو تحكيم الحس والعقل، حينما لم يشاهدوا ذلك ولم تتصوره العقول، ولكن الله تعالى نفى تحكيم العقل الحسي هنا، وخطر على العقل بقوله تعالى :﴿ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ].
ثالثاً : قوله تعالى في حق نيب الله داود عليه السلام :﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال يُسَبِّحْنَ والطير ﴾ [ الأنبياء : ٧٩ ]. وقوله تعالى :﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بالعشي والإشراق ﴾ [ ص : ١٨ ]، فلو كان تسبيحها معه تسبيح دلالة كما يقولون، لما كان لداود عليه السلام خصوصية على غيره.
رابعاً : أخبر الله تعالى أن لهذه العوالم كلها إدراكاً تاماً كإدراك الإنسان أو أشد منه، قال تعالى عن السماوات والأرض والجبال :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ [ الأحزاب : ٧٢ ]، فأثبت تعالى لهذه العوالم إدراكاً وإشفاقاً من تحمل الأمانة، بينما سجل على الإنسان ظلماً وجهالة في تحمله إياها، ولم يكن هذا العرض مجرد تسخير، ولا هذا الإباء مجرد سلبية، بل عن إدراك تام، كما في قوله تعالى :﴿ ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ ﴾ [ فصلت : ١١ ]، فهما طائعين لله، وهما يأبين أن يحملن الأمانة إشفاقاً منها.