فهذا كله يثبت إدراكاً للحيوان بالمحسوس وبالغيب إدراكاً لا يقل عن إدراك الإنسان، فما المانع من إثبات تسبيحها حقيقة على ما يعلمه الله تعالى منها؟ وقد جاء النص صريحاً في التسبح المثبت لها في أنه تسبيح تحميد لا مطلق دلالة كما في قوله تعالى :﴿ وَيُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ ﴾ [ الرعد : ١٣ ]، وقرنه مع تسبيح الملائكة، ﴿ والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ ﴾ [ الرعد : ١٣ ] وهذا نص في محل النزاع، وإثبات لنوع التسبيح المطلوب.
خامسا : لقد شهد المسلمون منطق الجماد بالتسبيح وسمعوه بالتحميد حساً كتسبيح الحصا في كفه ﷺ، وكحنيي الجذع للنبي ﷺ حتى سمعه كل من في المسجد، وما أخبر به ﷺ :" إني لأعلم حجراً في مكة ما مررت عليه إلا وسلم علي "، وما ثبت بفرد يثبت لبقية أفراد جنسه، كما هو معلوم في قاعدة الواحد بالجنس والواحد بالنوع.
ومن هذا القبيل في أعظم من ذلك ما رواه البخاري في كتاب المناقب عن أنس رضي الله عنه أن النَّبي ﷺ صعد أُحداً وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال :" أثبت أُحد فإن عليك نبياً وصديقاً وشهيدين "
وفي موطأ مالك : لما رجع ﷺ من سفر طلع عليهم أُحد فقال " هذا جبل يحبنا ونحبه "
فهذا جبل من كبار جبال المدينة يرتجف لصعود النَّبي ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان، فيخاطبه ﷺ خطاب العاقل المدرك :" أثبت أُحد فإن عليك نبياً وصديقاً وشهيدين "، فيعرف النَّبي ويعرف الصديق والشهيد فيثبت، فبأي قانون كان ارتجافه؟ وبأي معقول كان خطابه؟ وبأي معنى كان ثبوته؟ ثم ها هو يثبت له ﷺ المحبة المتبادرة بقوله : يحبنا ونحبه.