وقد قال فيها بعض البلاغيين. إن مستوراً هنا بمعنى ساتراً ويقال لهم : إن جعل مستوراً بمعنى ساتر تكرار لمعنى حجاب، لأن قوله تعالى :﴿ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَاباً مَّسْتُوراً ﴾ [ الإسراء : ٤٥ ] هو بمعنى ساتر، أي يستره عن الذين لا يؤمنون بالآخرة وليس في ذلك زيادة معنى، ولا كبير معجزة، ولكن الإعجاز في كون الحجاب مستوراً عن أعينهم، وفي هذا تحقيق وجود المعنيين، وهما حجبه ﷺ عنهم، وستر الحجاب عن أعينهم، وهذا أبلغ في حفظه ﷺ منهم، لأنه لو كان الحجاب مرئياً أي ساتراً فقط مع كونه مرئياً لربما اقتحموه عليه، وأقوى في الإعجاز، لأنه لو كان الحجاب مرئياً لكان كاحتجاب غيره من سائر الناس. ولكن حقيقة الإعجاز فيه هو كونه مستوراً عن أعينهم، وهذا ما رجحه ابن جرير.
وقد جاءت قصة امرأة أبي لهب مفصلة هذا الذي ذكرناه كما ساقها ابن كثير قال : لما قرأ رسول الله ﷺ سورة تبت يدا أبي لهب وتب إلى قوله :﴿ وامرأته حَمَّالَةَ الحطب فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ﴾ [ المسد : ٤ - ٥ ] جاءت امرأة أبي لهب وفي يدها فهر، ولها ولولة، ورسول الله ﷺ جالس مع أبي بكر رضي الله عنه عند الكعبة فقال له : إني أخاف عليك أن تؤذيك، فقال ﷺ :﴿ إن الله تعالى عاصمني منها ﴾، وتلا قرآناً، فجاءت ووقفت على أبي بكر وقالت : إن صاحبك هجاني. قال : لا ورب هذه البنية إنه ليس بشاعر ولا هاج، فقالت : إنك مصدق وانصرفت. أي ولم تره وهو جالس مع أبي بكر رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon