فهل يقال بعدم وجود الحجاب لأنه مستور لم يشاهد، أم أننا نثبته كما أخبر تعالى وهو القادر على كل شيء؟ وعليه ووبعد إثباته نقول : ما الفرق بين إثبات حقيقة قوله تعالى هنا :﴿ حِجَاباً مَّسْتُوراً ﴾ [ الإسراء : ٤٥ ]، وقوله تعالى :﴿ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ] ؟ ففي كلا المقامين إثبات أمر لا ندركه بالحس، فالتسبح لا نفقهه، الحجاب لا نبصره.
وقد أوردنا هذه النماذج، ولو مع بعض التكرار، لما يوجد من تأثر البعث بدعوى الماديين أو العلمانيين، الذين لا يثبتون إلا المحسوس، لتعطي القرائ زيادة إيضاح، ويعلم أن المؤمن بإيمانه يقف على علم ما لم يعلمه غيره، ويتسع أفقه إلى ما وراء المحسوس، ويعلم أن وراء حدود المادة عوالم يقصر العقل عن معالمها، ولكن المؤمن يثبتها.
وقد رسم لنا النَّبي ﷺ الطريق الصحيح في مثل هذات المقام من إثبات وإيمان، كما في صحيح البخاري أن النَّبي ﷺ صلاة الصبح، ثم أقبل على الناس فقال :" بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها " فقالت : إنا لم نخلق لهذا، وإنما خلقنا للحرث، فقال الناس سبحان الله بقرة تتكلم؟ فقال :" فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثَمَّ "، وبينما رجل في غنمه، إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة. فطلب حتى كأنه استنقذها منه، فقال له الذئب : هذا : استنقذتها مني، فمن لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري فقال الناس : سبحان الله ذئب يتكلم، قال " فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر، وما هما ثم "