وقد ذكر اللّه هذه الحادثة في سورة الفتح عند قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) الآية ١٠ الآتية وسترى نتيجة هذه المعاهدة وما ينتج عنها وأول خير وقع بسببها كما سيأتي بيانه في الآية ٧٥ من سورة النساء الآتية، ونزلت هذه السورة بعد رجوعهم كما نبيّنه إن شاء اللّه تعالى في الآيتين المذكورتين آنفا.
مطلب مبايعة النساء، وبقاء أثر نياحة الجاهلية حتى الآن في الفرات وغيرها :
قال تعالى "يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ" من بيوتهن ولا بيوت غيرهن شيئا "وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ" وأدا ولا بصورة أخرى "وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ"
بأن يلصقن أولادهن بغير آبائهم افتراء "بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ" أمامهن، لأن كل ما هو بين يديك فهو أمامك "وَأَرْجُلِهِنَّ" تحتهن، وذلك أن الولد إذا وضعته أمه يكون ساقطا بين يديها ورجليها، فإذا قالت ولدي منك وليس منه فقد أتت ببهتان بين يديها ورجليها فضلا عن قولها وهذا زيادة في التحريض لهن على العفاف والصدق "وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ" تأمرهن به "فَبايِعْهُنَّ" يا سيد الرسل على هذه الشروط "وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ" عما مضى منهن مهما كان "إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ" لما سبق من عباده "رَحِيمٌ ١٢" بمن اتبع دينه وآمن بنبيه.
روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية وما مسّت يده يد امرأة لا يملكها.
ورويا عن أم عطية قالت بايعنا رسول اللّه فقرأ علينا الآية (أي هذه) ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة يدها فقالت فلانة اسعدتني (أي بكت وناحت معها على فقيد لها) أريد أن أجزيها، فما قال لها النبي صلّى اللّه عليه وسلم شيئا، فانطلقت ثم رجعت فبايعها.