ولما كانت هذه العبارة كما ترى معجزة في صحة معناها ودقة إشارتها وغزير مفهوماته قال سبحانه وتعالى مرغباً في علو الهمم ﴿يا أولي الألباب﴾ أي العقول التي تنفع أصحابها بخلوصها مما هو كالقشر لأنه جمع لب. قال الحرالي : وهو باطن العقل الذي شأنه أن يلحظ أمر الله في المشهودات كما شأن ظاهر العقل أن يلحظ الحقائق من المخلوقات، فهم الناظرون إلى ربّهم في آياته - انتهى. ثم علل ذلك بقوله :﴿لعلكم تتقون *﴾ أي الله بالانقياد لما شرع فتتحامون القتل. قال الحرالي : وفي إبهام لعل التي هي من الخلق كما تقدم تردد إعلام بتصنيفهم صنفين بين من يثمر ذلك له تقوى وبين من يحمله ذلك ويزيده في الاعتداء - انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٣٣٤﴾
قال الفخر :
في الآية وجوه الأول : أنه ليس المراد من هذه الآية أن نفس القصاص حياة لأن القصاص إزالة للحياة وإزالة الشيء يمتنع أن تكون نفس ذلك الشيء، بل المراد أن شرع القصاص يفضي إلى الحياة في حق من يريد أن يكون قاتلاً، وفي حق من يراد جعله مقتولاً وفي حق غيرهما أيضاً، أما في حق من يريد أن يكون قاتلاً فلأنه إذا علم أنه لو قتل قتل ترك القتل فلا يقتل فيبقى حياً، وأما في حق من يراد جعله مقتولاً فلأن من أراد قتله إذا خاف من القصاص ترك قتله فيبقى غير مقتول، وأما في حق غيرهما فلأن في شرع القصاص بقاء من هم بالقتل، أو من يهم به وفي بقائهما بقاء من يتعصب لهما، لأن الفتنة تعظم بسبب القتل فتؤدي إلى المحاربة التي تنتهي إلى قتل عالم من الناس وفي تصور كون القصاص مشروعاً زوال كل ذلك وفي زواله حياة الكل.


الصفحة التالية
Icon