قوله تعالى ﴿يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
قال البقاعى
ولما كانت هذه العبارة كما ترى معجزة في صحة معناها ودقة إشارتها وغزير مفهوماتها قال سبحانه وتعالى مرغباً في علو الهمم ﴿يا أولي الألباب﴾ أي العقول التي تنفع أصحابها بخلوصها مما هو كالقشر لأنه جمع لب. قال الحرالي : وهو باطن العقل الذي شأنه أن يلحظ أمر الله في المشهودات كما شأن ظاهر العقل أن يلحظ الحقائق من المخلوقات، فهم الناظرون إلى ربّهم في آياته - انتهى. ثم علل ذلك بقوله :﴿لعلكم تتقون *﴾ أي الله بالانقياد لما شرع فتتحامون القتل. قال الحرالي : وفي إبهام لعل التي هي من الخلق كما تقدم تردد إعلام بتصنيفهم صنفين بين من يثمر ذلك له تقوى وبين من يحمله ذلك ويزيده في الاعتداء - انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٣٣٤﴾
الفرق بين مضمون الآية الكريمة وبين قول العرب : القتل أنفى للقتل
قال أبو حيان
وذكر العلماء تفاوت ما بين الكلامين من البلاغة من وجوه. أحدها : أن ظاهر قول العرب يقتضي كون وجود الشيء سبباً لانتفاء نفسه، وهو محال. الثاني : تكرير لفظ القتل في جملة واحدة. الثالث : الاقتصار على أن القتل هو أنفى للقتل. الرابع : أن القتل ظلماً هو قتل، ولا يكون نافياً للقتل. وقد اندرج في قولهم : القتل أنفى للقتل، والآية المكرمة بخلاف ذلك.
أما في الوجه الأول : ففيه أن نوعاً من القتل وهو القصاص سبب لنوع من أنواع الحياة، لا لمطلق الحياة، وإذا كان على حذف مضاف أي : ولكم في شرع القصاص، اتضح كون شرع القصاص سبباً للحياة.
وأما في الوجه الثاني : فظاهر لعذوبة الألفاظ وحسن التركيب وعدم الاحتياج إلى تقدير الحذف، لأن في كلام العرب كما قلناه تكراراً للفظ، والحذف إذا نفي، أو أكف، أو أوقى، هو أفعل تفضيل، فلا بد من تقدير المفضل عليه أنفى للقتل من ترك القتل.