كان صلح الحديبية الذي تم بين الرسول ﷺ وبين مشركي قريش، قد نص على أن من أتى محمدا من قريش رده عليهم، ومن جاء قريشا من عند محمد لم يردوه عليه، وقد جاءت ( أم كلثوم بنت عقبة ) بعد أن كتب عقد الصلح مهاجرة إلى رسول الله ﷺ وجاء أهلها يطلبونها فقالت يا رسول الله : أنا امرأة، وحال النساء إلى الضعف ما قد علمت، فتردني إلى الكفار يفتنوني عن ديني، ولا صبر لي؟! فقال ﷺ لأهلها : كان الشرط في الرجال لا في النساء، فأنزل الله هذه الآية فامتحنها ﷺ ولم يردها إليهم.
قال القرطبي : وقد اختلف العلماء هل دخل النساء في عقد المهادنة لفظا، أو عموما؟
فقالت طائفة : قد كان شرط ردهن في عقد المهادنة لفظا صريحا، فنسخ الله ردهن من العقد، ومنع منه، وبقاه في الرجال على ما كان.
وقالت طائفة : لم يشترط ردهن في العقد لفظا، وإنما أطلق العقد في رد من أسلم، فكان ظاهر العموم اشتماله عليهن من الرجال، فبين الله تعالى خروجهن عن عمومه، وفرق بينهن وبين الرجال لأمرين :
أحدهما : أنهن ذوات فروج يحرمن عليهم.
الثاني : أنهن أرق قلوبا، وأسرع تقلبا منهم، فأما المقيمة على شركها فمردوده عليهم.
ثم قال : وأكثر العلماء على أن هذا ناسخ لما كان عليه الصلاة والسلام عاهد عليه قريشا، من أنه يرد إليهم من جاء منهم مسلما، فنسخ من ذلك النساء، وهذا مذهب من يرى نسخ السنة بالقرآن.
أقول : ذكر الإمام الفخر نقلا عن ( الضحاك ) أن العهد كان على غير الصيغة المتقدمة، وأنه كان يشتمل على نص خاص بالنساء صورته كالتالي :
( لا تأتيك منا امرأة ليست على دينك إلا رددتها إلينا، فإن دخلت في دينك ولها زوج رددت على زوجها ما أنفق عليها، وللنبي ﷺ من الشرط مثل ذلك ).