ولنذكر الآن بعض ما جاء به عيسى عليه السلام، بمقدم سيدنا محمد عليه السلام في الإنجيل في عدة مواضع أولها : في الإصحاح الرابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا :"وأنا أطلب لكم إلى أبي حتى يمنحكم، ويعطيكم الفارقليط حتى يكون معكم إلى الأبد، والفارقليط هو روح الحق اليقين" هذا لفظ الإنجيل المنقول إلى العربي، وذكر في الإصحاح الخامس عشر هذا اللفظ :"وأما الفارقليط روح القدس يرسله أبي باسمي، ويعلمكم ويمنحكم جميع الأشياء، وهو يذكركم ما قلت لكم" ثم ذكر بعد ذلك بقليل :"وإني قد خبرتكم بهذا قبل أن يكون حتى إذا كان ذلك تؤمنون"، وثانيها : ذكر في الإصحاح السادس عشر هكذا :"ولكن أقول لكم الآن حقاً يقيناً انطلاقي عنكم خير لكم، فإن لم أنطلق عنكم إلى أبي لم يأتكم الفارقليط، وإن انطلقت أرسلته إليكم، فإذا جاء هو يفيد أهل العالم، ويدينهم ويمنحهم ويوقفهم على الخطيئة والبر والدين" وثالثها : ذكر بعد ذلك بقليل هكذا :"فإن لي كلاماً كثيراً أريد أن أقوله لكم، ولكن لا تقدرون على قبوله والاحتفاظ به، ولكن إذا جاء روح الحق إليكم يلهمكم ويؤيدكم بجميع الحق، لأنه ليس يتكلم بدعة من تلقاء نفسه" هذا ما في الإنجيل، فإن قيل : المراد بفارقليط إذا جاء يرشدهم إلى الحق ويعلمهم الشريعة، وهو عيسى يجيء بعد الصلب ؟ نقول : ذكر الحواريون في آخر الإنجيل أن عيسى لما جاء بعد الصلب ما ذكر شيئاً من الشريعة، وما علمهم شيئاً من الأحكام، وما لبث عندهم إلا لحظة، وما تكلم إلا قليلاً، مثل أنه قال :"أنا المسيح فلا تظنوني ميتاً، بل أنا ناج عند الله ناظر إليكم، وإني ما أوحي بعد ذلك إليكم" فهذا تمام الكلام، وقوله تعالى :﴿فَلَمَّا جَاءهُم بالبينات﴾ قيل : هو عيسى، وقيل : هو محمد، ويدل على أن الذي جاءهم بالبينات جاءهم بالمعجزات والبينات التي تبين أن الذي جاء به إنما جاء به من عند الله، وقوله تعالى :﴿هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾
أي ساحر مبين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٩ صـ ٢٧١ ـ ٢٧٢﴾