اعلم أن قوله تعالى :﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ﴾ في معنى الأمر عند الفراء، يقال : هل أنت ساكت أي اسكت وبيانه : أن هل، بمعنى الاستفهام، ثم يتدرج إلى أن يصير عرضاً وحثاً، والحث كالإغراء، والإغراء أمر، وقوله تعالى :﴿على تجارة﴾ هي التجارة بين أهل الإيمان وحضرة الله تعالى، كما قال تعالى :﴿إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وأموالهم بِأَنَّ لَهُمُ الجنة﴾ [ التوبة : ١١١ ] دل عليه ﴿تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ﴾ والتجارة عبارة عن معاوضة الشيء بالشيء، وكما أن التجارة تنجي التاجر من محنة الفقر، ورحمة الصير على ما هو من لوازمه، فكذلك هذه التجارة وهي التصديق بالجنان والإقرار باللسان، كما قيل في تعريف الإيمان فلهذا قال : بلفظ التجارة، وكما أن التجارة في الربح والخسران، فكذلك في هذا، فإن من آمن وعمل صالحاً فله الأجر، والربح الوافر، واليسار المبين، ومن أعرض عن العمل الصالح فله التحسر والخسران المبين، وقوله تعالى :﴿تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ قرىء مخففاً ومثقلاً، ﴿وَتُؤْمِنُونَ﴾ استئناف، كأنهم قالوا : كيف نعمل ؟ فقال :﴿تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ﴾ وهو خبر في معنى الأمر، ولهذا أجيب بقوله :﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ وقوله تعالى :﴿وتجاهدون فِي سَبِيلِ الله﴾ والجهاد بعد هذين الوجهين ثلاثة، جهاد فيما بينه وبين نفسه، وهو قهر النفس، ومنعها عن اللذات والشهوات، وجهاد فيما بينه وبين الخلق، وهو أن يدع الطمع منهم، ويشفق عليهم ويرحمهم وجهاد فيما بينه بين الدنيا وهو أن يتخذها زاداً لمعاده فتكون على خمسة أوجه، وقوله تعالى :﴿ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ يعني الذي أمرتم به من الإيمان بالله تعالى والجهاد في سبيله خير لكم من أن تتبعوا أهواءكم ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي إن كنتم تنتفعون بما علمتم فهو خير لكم، وفي الآية مباحث :


الصفحة التالية
Icon