وأنت تعلم أن الحذف شاذ ﴿ ذلكم ﴾ أي ما ذكر من الايمان والجهاد ﴿ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ على الإطلاق أو من أموالكم وأنفسكم ﴿ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ أي إن كنتم من أهل العلم إذ الجهلة لا يعتدّ بأفعالهم حتى توصف بالخيرية، وقيل : أي إن كنتم تعلمون أنه خير لكم كان خيراً لكم حينئذ لأنكم إذا علمتم ذلك واعتقدتم أحببتم الايمان والجهاد فوق ما تحبون أموالكم وأنفسكم فتخلصون وتفلحون.
﴿ يَغْفرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر كما في قولهم : اتقى الله تعالى امرؤ وفعل خيراً يثب عليه ؛ أو جواب لشرط، أو استفهام دل عليه الكلام، والتقدير أن تؤمنوا وتجاهدوا يغفر لكم، أو هل تقبلون أن أدلكم؟ أو هل تتجرون بالايمان والجهاد؟ يغفر لكم، وقال الفراء : جواب للاستفهام المذكور أي هل أدلكم، وتعقب بأن مجرد الدلالة لا يوجب المغفرة، وأجيب بأنه كقوله تعالى :﴿ قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ﴾ [ إبراهيم : ٣١ ] وقد قالوا فيه : إن القول لما كان للمؤمن الراسخ الإيمان كان مظنة لحصول الامتثال فجعل كالمحقق وقوعه فيقال ههنا : لما كانت الدلالة مظنة لذلك نزلت منزلة المحقق، ويؤيده ﴿ إن كنتم تعلمون ﴾ [ الصف : ١١ ] لأن من له عقل إذا دله سيده على ما هو خير له لا يتركه، وادعاء الفرق بما ثمة من الإضافة التشريفية وما هنا من المعاتبة قيل : غير ظاهر فتدبر، والانصاف أن تخريج الفراء لا يخلو عن بعد، وأما ما قيل : من أن الجملة مستأنفة لبيان أن ذلك خير لهم، و﴿ يغفر ﴾ مرفوع سكن آخره كما سكن آخر ﴿ أشرب ﴾ في قوله
: فاليوم ( أشرب ) غير مستحقب...
إثماً من الله ولا واغل
فليس بشيء لما صرحوا به من أن ذلك ضرورة.


الصفحة التالية
Icon