وقوله :﴿ إن كنتم تعلمون ﴾ تعريض لهم بالعتاب على تولّيهم يوم أُحُد بعد أن قالوا : لو نعلم أيَّ الأعمال أحب إلى الله لَعَمِلْنَاه، فندبوا إلى الجهاد فكان ما كان منهم يوم أُحُد، كما تقدم في أول السورة، فنزلوا منزلة من يُشَك في عملهم بأنه خير لعدم جريهم على موجَب العلم.
والمساكن الطيبة : هي القصور التي في الجنة، قال تعالى :﴿ ويجعل لك قصوراً ﴾ [ الفرقان : ١٠ ].
وإنما خُصّت المساكن بالذكر هنا لأن في الجهاد مفارقة مساكنهم، فوعدوا على تلك المفارقة الموقتة بمساكن أبدية.
قال تعالى :﴿ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم ﴾ إلى قوله :﴿ ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ﴾ [ التوبة : ٢٤ ] الآية.
﴿ وأخرى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ﴾.
عطف على جملة ﴿ يغفر لكم ويدخلكم ﴾ [ الصف : ١٢ ] عطفَ الاسمية على الفعلية.
وجيء بالاسمية لإِفادة الثبوت والتحقق.
ف ﴿ أُخرى ﴾ مبتدأ خبره محذوف دل عليه قوله :﴿ لكم ﴾ من قوله :﴿ يغفر لكم ﴾.
والتقدير : أخرى لكم، ولك أن تجعل الخبر قوله :﴿ نصر من الله ﴾.
وجيء به وصفاً مؤنثاً بتأويل نعمة، أو فضيلة، أو خصلة مما يؤذن به قوله :﴿ يغفر لكم ذنوبكم ﴾ [ الصف : ١٢ ] إلى آخره من معنى النعمة والخصلة كقوله تعالى :﴿ وأخرى لم تقدروا عليها ﴾ في سورة [ الفتح : ٢١ ]
ووصف أخرى بجملة ﴿ تحبونها ﴾ إشارة إلى الامتنان عليهم بإعطائهم ما يحبون في الحياة الدنيا قبل إعطاء نعيم الآخرة.
وهذا نظير قوله تعالى :﴿ فلنولينك قبلة ترضاها ﴾ [ البقرة : ١٤٤ ].
( و ﴿ نصر من الله ﴾ بدل من ﴿ أُخرى ﴾، ويجوز أن يكون خبراً عن ﴿ أخرى ﴾.
والمراد به النصر العظيم، وهو نصر فتح مكة فإنه كان نصراً على أشد أعدائهم الذين فتنوهم وآذوهم وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم وألَّبوا عليهم العرب والأحزاب.


الصفحة التالية
Icon