ثم بين جل جلاله العمل الذي يحب اللّه فاعله عند لزومه أكثر من غيره، فقال "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ" إعلاء لكلمته وابتغاء مرضاته "صَفًّا" تجاه أعدائه لا يزولون ولا يروغون عن أماكنهم إلّا للتقدم ليكيدوا عدوهم، فتراهم في تضامنهم وتلاحقهم ومتانتهم في صفوف الحرب "كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ" (٤) بعضه ببعض لا ترى فيهم فرجة تمكن العدو من الدّخول فيها بينهم، أو يجعل بسببها خللا في صفوفهم، وكان التراص في ذلك الزمن مطلوبا لأن من الفرسان من يقحم بفرسه فيمزّق الصّف المخلل والذي فيه فرجة فيفتك فيه بما أوتي من عزم وحزم فيفرقه ويقع الرّعب في قلوب الآخرين فينصرون، والتراص باب من أبواب الحرب في زمن الأصحاب فمن بعدهم، أما الآن وقد أحدثت الصّواعق والقاذفات والدّبابات فقد يكون في مكان دون مكان بحسب قوة العدو وآلاته وعدده، وقد ورد عنه صلّى اللّه عليه وسلم أن اللّه يحب من يثبت في الجهاد ويلزم مكانه كثبوت البنيان، وهو يشير إلى التحذير من الهزيمة، لأنه من الكبائر المهلكة ولهذا يجازى عليها بالإعدام ولعذاب الآخرة أشد وأمر، راجع الآية ٩٤ من سورة البقرة والآية ١٧٦ من آل عمران والآية ١٥ فما بعدها من سورة الأنفال المارات.
قال تعالى "وَ" أذكر لقومك يا سيد الرّسل "إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي" بتعنتكم وتطاولكم على اللّه إذ تقولون أرنا اللّه جهرة ولن نصبر على طعام واحد وتتهمونني بأني آذر، وتحرضون الباغية عليّ، وتنسبون لي قتل هارون أخي وعضيدي على إرشادكم كما مر في الآيتين ٥٦ و٦٢ من الأحزاب المارتين، وتنكرون رسالتي


الصفحة التالية
Icon