فهي التجارة الرّابحة "خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (١١) ما ينتج عنها لأن نتيجه الإيمان دخول الجنان ورضى الرّحمن، ونتيجة الجهاد علو الشّأن ورفعة المجد، وهذا أفضل من ربح المال مع بقاء النّفس ذليلة حقيرة بسبب تسلط عدوها عليها، لأن النّفس الأبية التي تحب الموت في سبيل عزها لتوهب لها الحياة الطّيبة التي هي أحسن من كلّ شيء، والفعلان بمعنى الأمر أي آمنوا وجاهدوا وجوابهما فعل يغفر الآتي، أي إذا فعلتم هذا فإنه تعالى "يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ" الدنيوية ويعزّكم في دنياكم لاختياركم طريق العز "وَيُدْخِلْكُمْ" في الآخرة "جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (١٢) لأن فيه خير الدّنيا والآخرة فلا أعظم فوزا منه لأنه مما يعمل العاقل له في دنياه ليناله في عقباه "وَ" تجارة "أُخْرى تُحِبُّونَها" وهي في الدّنيا فقط "نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ" على أعدائكم "وَفَتْحٌ قَرِيبٌ" (١٣) لبلاد أعدائكم واستيلائكم عليها واغتنام ما لدى أهلها، وقد كان هذا والحمد للّه في صدر الإسلام وبعده، ولكن خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصّلاة واتبعوا الشّهوات فحرموا تلك الفتوحات والغنائم وملاذ النّصر والظّفر، لإضاعتهم أمر دينهم وتفرق كلمتهم وتكالبهم على الدّنيا وخوفهم من الموت، وعسى أن يردهم اللّه لاقتفاء آثار أوائلهم فينالوا ما نالوه ويذوقوا طعم العز والظّفر.


الصفحة التالية
Icon